إن من أكبر نعم الله تعالى على عباده نعمة البنين، تفرح قلوبنا بهم صغارا، ويشدّ الله بهم من أزرنا كباراً، ونرى فيهم امتداداً لنا، فملامح كثيرة من نفوسنا تنطبع على صفحات نفوسهم؛ فنطرب ونحن نستمع إلى واصفهم يقول: من شابه أباه فما ظلم!! ولكن هذه السعادة لا تكتمل عند المؤمنين إلا بصلاح أبنائهم، بل وذريّاتهم من الأجيال الممتدة، وبذلك وصفهم الله تعالى مادحاً لهم فى كتابه العزيز، وقد نسبهم إلى نفسه سبحانه فقال :" وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً"...إلى أن قال عزّ وجلّ:" والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً" – الفرقان قال الحافظ بن كثير فى تفسيرها:" يعنى الذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم من ذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له." قال ابن عباس رضي الله عنه:" يعنون : من يعمل بطاعة الله فتقرّ به أعينهم في الدنيا والآخرة." قال عكرمة رحمه الله: " لم يريدوا صباحة ولا جمالاً ولكن أرادوا أن يكونوا مطيعين." وقال ابن جرير رحمه الله:" يعبدونك فيحسنون عبادتك ولا يجرّون علينا الجرائر." ولقد سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى عن هذه الآية فقال:" أن يُرٍى الله تعالى العبدَ المسلم من زوجته ومن أخيه ومن حميمه طاعة الله، لا والله لا شيء أقرّ لعين المسلم من أن يرى ولداً أو ولد ولد (حفيد) أو أخاً أو حميماً مطيعاً لله عزّ وجل." وكان هذا هو نهج الأنبياء الكرام عليهم صلوات الله وسلامه: والأنبياء عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه هم أعبد الناس للرحمن جلً وعلا، لذلك نراهم أكثر الخلق اهتماماً ببيوتهم وأحرصهم على صلاح ذرياتهم، ولأنهم أدركوا دور الدعاء فى استقامة الأبناء وعلاج عيوبهم حتى إنهم دعوا الله تعالى من أجلهم قبل أن يولدوا..! فهذا سيدنا إبراهيم يرفع أكف الضراعة طالبا ً من الله تعالى أن يرزقه أبناء صالحين مصلحين قال:" رب هب لي من الصالحين"- الصافات 100- يعنى ارزقني ولداً صالحاً، فكانت الاستجابة من الله تعالى وآتاه ما سأل:" فبشرناه بغلام عليم "، ولقد ظلّ خليل الله يتعهّد أبناءه و ذريته بالدعوات الصالحة طوال حياتهم، قال تعالى: :" وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد ءامناً واجنبني وبنيَّ أن نعبد الأصنام، ربّ إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه منى ومن عصاني فإنك غفور رحيم، ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربّنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون، ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء، الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي سميع الدعاء، ربّ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربّنا وتقبّل دعاء، ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب"-سورة إبراهيم 41:35 . وعلى نفس الطريق سار سيدنا زكريا عليه السلام، إذ دعا الله تعالى لأبنائه قبل أن يولدوا قائلاً:" ربّ هب لى من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء " ثم نراه يدعو الله تعالى أن يرزقه ولداً صالحاً مرضياً عند الله وعند الناس، يتحمل معه أعباء النبوة والدعوة إلى توحيد الخالق سبحانه قائلاً:" قال رب إني وهن العظم منى واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك رب شقياً، وإني خفت الموالى من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك ولياً، يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضياً" ولقد استجاب الله تعالى لدعائه، وحملت الملائكة إليه البشرى بالولد والنبي الصالح: "فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقاً بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين"- آل عمران: 39- وهَدْىُ نبينا صلى الله عليه وسلم من بعدهم هو الدعاء للبنين: فقد كان صلى الله عليه وسلم شديد العناية بالأطفال، دائم الرعاية والتوجيه لهم، يدعو لهم وينهى عن الدعاء عليهم، يدعو لهم في كل وقت حتى من قبل أن يولدوا، فقد روى أنه كان : - يدعو لهم وهم في أصلاب آبائهم: وذلك لما ردّ المشركون من أهل الطائف دعوة النبي صلى الله عليه وسلم للإسلام وآذوه ورموه بالحجارة، أرسل الله إليه ملك الجبال يعرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين ( جبلين بمكة) عندها قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لا ولكن أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً". وقد حقق الله تعالى رجاء نبيه بإسلام أبنائهم. ويوجّه المسلمين إلى الدعاء لأبنائهم منذ إرادة الجماع والولد مازال في علم الغيب مبيناً أن ذلك من أسباب صلاح الولد قائلاً :" لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنّبنا الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتنا، فيولد بينهما ولد، فلا يصيبه الشيطان أبداً" - ويدعو للصغار وهم نطفة في رحم الأم: فعن عباية بن رفاعة، عن أم سليم رضي الله عنها قالت: توفى ابن لي وزوجي غائب، فقمت فسجيته في ناحية البيت. فقدم زوجي فقمت فتطيبت له فوقع علىّ . ثم أتيته بطعام فجعل يأكل فقلت : ألا أعجبك من جيراننا ؟ قال: وما لهم؟ قلت : أعيروا عارية فلما طلبت منهم جزعوا فقال: بئس ما صنعوا. فقلت: هذا ابنك. فقال: لا جرم لا تغلبيني على الصبر الليلة. فلما أصبح غدا على رسول الله فأخبره، فقال: " اللهم بارك لهم في ليلتهم. فلقد رأيت لهم بعد ذلك في المسجد سبعة- يعنى من أبنائهم- كلهم قد قرأ القرآن. وذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم . - ويدعو لهم عند ولادتهم: فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي كان يؤتى بالصبيان – تعنى حديثي الولادة- فيحنكهم ويدعو لهم بالبركة. وفى الصحيحين أن أسماء رضي الله عنها أتت النبي بولود لها، تقول: حنّكه بالتمرة ثم دعا له وبرّك عليه". وفى هذا الحديث بيان لمشروعية الذهاب بالمولود إلى أهل الصلاح لينال من دعائهم. - ويدعو لهم أثناء مخالطتهم تشجيعاً وتثبيتاً لهم على الخير: فعن أنس رضي الله عنه قال: جاءت أمي أم أنس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أزّرتني (ألبستني إزاراً) بنصف خمارها وردّتني (ألبستني رداءاً) بنصفه فقالت: يا رسول الله، هذا أنيس ابني أتيته بك يخدمك فادع الله له، فقال:" اللهم أكثر ماله وولده" . وفى رواية:" وبارك له فيما أعطيته". قال أنس: فو الله إن ولدى وولد ولدى ليتعادّون على نحو المائة اليوم. –صحيح مسلم / كتاب فضائل الصحابة رقم: 4531 – ولنتأمل هنا كيف بنت وأسست أم سليم رضي الله عنها لابنها مستقبله في الدين والدنيا بالدعاء؟! إنه جيل الصحابة الفريد الذين أحسنوا الأخذ والفهم والتطبيق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويكافئ ابن عباس الغلام الصغير على إعداده لوضوء النبي قبل أن يطلبه بأن يدعو له، فقد أخرج البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء قال فوضعت له وضوءاً، فقال: من وضع هذا؟ فأخبر، فقال: اللهم فقهه في الدين." ويستجيب الله تعالى لدعائه لابن عباس ويصير حبر الأمة وترجمان القرآن. وإذا كان هؤلاء هم قدوتنا وأسوتنا عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه يأمرنا الله تعالى بأن نقتدي بهم ، قال تعالى:" أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" ويخبرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة لنا في كل أمرنا قال تعالى:" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر" إن علينا أن ننتبه لأمر الدعاء للأبناء وندرك أهميته كعامل هام جداً في صلاح الولد،