ام عبادة رتبة الاشراف
الاوسمه : عدد المشاركات : 2124 علم دولتي : رقم العضويه : 14 مزاجي : نشاط العضوه : دعاء : الشكر : 7 نقاط : 1610
| موضوع: الغناء والموسيقى بين التحليل والتحريم(الجزء الرابع) الثلاثاء أبريل 21 2009, 12:39 | |
| السلام عليكم
الغناء والموسيقى بين التحليل والتحريم
(الجزء الرابع)
تحقيق حكم الغناء والموسيقى في تراثنا الفقهي القديم : ها قد سردنا الآراء في الغناء بين المنع والإباحة ـ في فقهنا القديم ـ ولقد وجب أن نمحِّص الرأي فيما ذهب إليه هؤلاء وهولاء ـ ( على ضوء تحرير محل النزاع) ـ !! ولنستعرض الآن رأي أحد العلماء المعاصرين في هذا الموضوع وهو الدكتور/ "عبد الفتاح محمد الحلو" الذي يقول : ـ لقد أصاب أكثر الذين ناقشوا فكرة السماع ، سواء منهم من حكم بكراهيته ، أم من حكم بحرمته ، أم من حكم بحلّه فلكل رأيه؛ ولكن واجب البحث يحتم علينا أن نناقش بعض المسائل التي أثاروها ، ويمكن أن يقال : إن رأي الشافعي رضى الله عنه لا يتيح فرصة للمناقشة ، فهو محايد إلى حد كبير ، وأما ما قرره الحافظ ابن قيم الجوزية وغيره من الذين ذهبوا إلى التحريم ، فقد رأينا أن الأحاديث التي استدلوا بها ضعَّفها الحفّاظ وأهل البصر بالحديث مرة من جهة السند ، وأخرى من جهة المتن ، ولم يسلم إلا حديث البخاري عن هشام بن عمار ، وأيضاً فهذا الحديث لم يسلم من الطعن ، فلم يقبله بعض الفقهاء ؛ لأن البخاري لم يتصل ما بينه وبين صدقة بن خالد. وأما ابن حزم فلم يُفـْصِّلْ في السماع الحلال تفصيلا شافياً يمكن أن يستند عليه ، وكان كل همِّه إثبات (حِلّيته) ، وكذلك فعل أبو الفضل المقدسي . وأما الغزالي رحمه الله فقد فصل تفصيلاً مقبولاً إلى حد كبير ، وإن كان قد رخص لنفسه وأوسع من صدر كتابه (الإحياء) لقصص التواجد عند الصوفية وقت السماع ، وبعضها ؛ بل وكثير منها خارج عن حدِّ الاعتدال ، ولم يناقش أبو حامد إلا الأحاديث التي تحرم الغناء أو الدف والطبل والشاهين ، وقد اقتنع بالأحاديث التي تحرم المزامير والأوتار والملاهي ، وعلـَّل تحريمها. ويمكن أن نقول : إن كل الأحاديث الواردة في النهي عن الغناء وما يصحبه من آلات أو أكثرها ـ وعلى الرغم من تضعيف المحدثين لها ـ يمكن أن يقال بأنها ترسم صورة مكتملة لقوم تفشت بينهم الإباحية ، وهمتهم فوضى الشهوات ، وصرخت في دمائهم شياطين الفساد؛ فاجتمعوا على غناء داعر ، وشراب مسكر ، ولهو مستنكر مذموم ، وقد خرجوا بذلك كله عن محيط الحياة وما فيها من إلزام وجد رصين ، فلا عجب أن يصيبهم المسخ ، سواء أكان ذلك على حقيقته أم كان هذا على التشبيه والمقارنة ، ولا يجب أن ندخل في قضية جديدة أثارت الفقهاء وأثاروها. ومما لا شك فيه أن أحداً ممن يعرف فكرة الإسلام في الحفاظ على المجتمع والذود عن حياضه يدرك تماماً أنه لا يقرّ هذه الصورة المرذولة.
ولو نظرنا الآن إلى الفنون عامة ـ وإلى السماع بنوع خاص ـ وقارنا بين ماضيها وحاضرها لأمكن أن يقال : إن أكثرها كان قديماً ، وقبل أن تترقى الإنسانية؛ مجالاً رحباً لإرضاء الشهوات ، وإشباع الغريزة الجنسية ، أو على الأقل التنفيس عنها، ويوضح هذا ما نقله الغزالي عن الشافعي رضى الله عنه : من أنه ـ أي السماع ـ ليس من عادة ذوي المروءة والدين؛ بينما نحس الآن أن السماع لو وُجّه وجهةّ فطريةً طيبةً لكان من العوامل الهامة في ترقية مدارك الناس ، ثم لحملهم على السمو بغرائزهم ، ولدفعهم في الأعم الأغلب إلى مثل عليا ، لا يفيد في الدعوة إليها حالياً خطب الخطباء، ولا روائع الكتاب. وعلى ذلك فيحسن بنا أن نحدد على ضوء الدراسة المنهجية ، وعلى ضوء ما أدركنا في فهم النصوص وتصحيحها، الحدود التي يلتزمها السماع؛ حتى يمكن أن يفيد معنويات الأمة ، وحتى لا يجافي روح التشريع وقداسته. فالسماع يجدر بنا أن نحكم (بحلّه) ، فقد تضافرت النصوص التي تؤيد ذلك ، ولكن هذا الحكم يجب ألاَّ يكون على إطلاقه ، ذلك أن هناك من الملابسات والأمور التي قد تحرمه وتجعله وزراً ، ولا نكاد نستشعر فرقاً بين آلة وترية وغير وترية حتى نحكم بحل السماع بالدفّ ، ونحكم مرة أخرى بحرمة السماع بالعود ؛ لأن تأثير الآلات واحد . والتعليل الذي قدمه الغزالي يمكن أن يقبل بالنسبة لوضع مدمن الخمر أو سابق العهد بها ، أما بالنسبة لجمهور المسلمين ، فلا يمكن أن يقبل هذا التعليل.
وللسماع الآن أكثر من صورة ، وأكثر من شكل ، وأكثر من موضوع ، ويمكن أن نحكم بحل السماع إذا وضعنا نصب أعيننا الأشياء الآتية : أولاً : مكان السماع : فإذا كان السماع في حفلات صاخبة مثل هذه الحفلات التي تقام له فتراق فيه الخمر ، وتكشف فيها النساء عن مفاتنهن ، أو تكشف المرأة المغنية فيها عن مفاتنها وما لا يحل لها كشفه من جسمها ، فإن ذلك حرام ، وما كان للمسلمين ، ولا لأحد من الفقهاء أن يحكم بحل السماع على هذا الشكل. ثانياً : اللحن والصوت اللذان يؤدى بهما الغناء : فإن كان فيهما خروج عن الآداب ، أو ميل إلى إثارة الغرائز الدنيّا ، أو كان في الكلام الذي يتألف منه اللحن ما يؤدي إلى ذلك فما من شك في أن ذلك غير جائز. ثالثاً : الوقت الذي يضيع في هذا اللهو : يجب أن لا يجني على المقومات الأصلية للتكوين الفردي ، والتكوين الجماعي ، فإذا ما أصبح السماع دَيْدَنَ الناس ، وتلهوا به عن مقومات حياتهم وعن فروض دينهم ، وعن تكوين أمتهم وبناء صرحها ، فإن الإسلام لا يبيحه ولا يرضى به ، وإنما يعتبر هذا العمل جرماً يسقط المكانة الأدبية للمرء ، ويمنعه في المشاركة في المظهر الأدبي للأمة فيسقط منه حق الشهادة أمام القضاء. رابعاً : يجب أن يراعى في السماع ألا يجني على النشء الجديد: وأن نلاحظ الطبقات التي تتكون منها الأمة ، فمما لا شك فيه أن بعض أنواع السماع تؤثر في المراهقين المولعين بالشهوات تأثيراً أضخم مما تؤثره في الأشخاص العاديين . هذا .. وقد أصبح الآن جهاز السماع ومقوماته:"الإذاعة" و "التلفاز" بيد الدولة ، كما أن الدولة يمكن أن تراقب محلات الأشرطة وأسواقها ، وهذا بدوره يلقي عليها عبئَا ثقيلاً يجب أن تنهض به، ومن واجب الدولة أن تمحص الأمور ، فتراعي الفكرة الإسلامية الأخلاقية في صياغة الأغنية وتلحينها وأدائها ، وتوجه الأغنية والبرامج الغنائية وجهة إصلاحية نافعة . كذلك يمكن للأجهزة الحكومية الأخرى ـ في كثير من بلدان العالم الإسلامي ـ أن تمنع هذه الحفلات الصاخبة ؛ حفلات العرس وأشباهها ، التي يستغل فيها ذلك النوع من الفن استغلالاً سيئًا يتلف الأخلاق ، ويذهب بالمثل العليا . هذا هو صوت التشريع ، وهذه هي أحكامه ، وهي بلا شك أحكام واعية رشيدة تبين حرص الإسلام على الأمة وجهده في بنائها ... وهذا هو تحقيقي لأمر الغناء . وبهذا ينتهي رأي للدكتور/ عبد الفتاح محمد الحلو في هذا الشأن.
يتبع | |
|