ام عبادة رتبة الاشراف
الاوسمه : عدد المشاركات : 2124 علم دولتي : رقم العضويه : 14 مزاجي : نشاط العضوه : دعاء : الشكر : 7 نقاط : 1610
| موضوع: الغناء والموسيقى بين التحليل والتحريم(الجزء الثالث) الثلاثاء أبريل 21 2009, 12:37 | |
| السلام عليكم
الغناء والموسيقى بين التحليل والتحريم
(الجزء الثالث)
رأي أبي حامد الغزالي: نموذج للرأي الوسط :
والحق أنه ـ من بين الآراء المطروحة ـ كان لرأي (أبي حامد الغزالي) الذي بسطه في كتابه (إحياء علوم الدين) قيمة خاصة. فلقد امتاز هذا الرأي بكثير من الاستقصاء للنصوص ، والتفصيل في الموضوع، والموضوعية والحياد ، والموازنة بين الملابسات والمواقف التي تميل بالرأي إلى الأصل وهو الإباحة ، أو إلى العوامل الطارئة التي تجعله حراماً ... فليس كل غناء حلالاً وليس كله حراماً . كما أن (أبا حامد الغزالي) كان متحفظاً في إطلاق التحريم ـ لأن الواجب هو ذلك ـ وكان ـ مع ذلك ـ محافظاً في ضرورة الالتزام بشروط وآداب حتى نسدّ الذرائع .. والأكثر من ذلك كله أن (أبا حامد) حدَّد مناطق بعينها يجوز فيها السماع ، وحدّد مناطق يحرم فيها السماع ـ فأضاء لنا أبو حامد ـ بالتالي كثيراً من المناطق التي كانت تتسم بالغموض والالتباس. يقول أبو حامد الغزالي : اعلم أن قول القائل السماع حرام؛ معناه أن الله تعالى يعاقب عليه، وهذا أمر لا يعرف بمجرد العقل ؛ بل بالسمع ومعرفة الشرعيات محصورة في النص ، أو القياس على المنصوص ، وأعني بالنص : ما أظهره صلى الله عليه وسلم بقولـه أو فعله ، وبالقياس : المعنى المفهوم من ألفاظه وأفعاله ، فإن لم يكن فيه نص ، ولم يستقم فيه قياس على منصوص ، بطل القول بتحريمه ، وبقى فعلاً لا حرج فيه ، كسائر المباحات ، ولا يدل على تحريم السماع نص ولا قياس ، ويتضح ذلك في جوابنا على أدلة المائلين إلى التحريم ، ومهما تمَّ الجواب عن أدلتهم ، كان ذلك مسلكاً كافياً في إثبات هذا الغرض .. ولكننا نقول : لقد دل النص والقياس جميعاً على إباحته. ـ ثم يقول الغزالي : أما النظر فيه من حيث إنه محرك للقلب ، ومهيج لما هو الغالب عليه؛ فإن الحيوان يؤثر فيه السماع ، ولذلك قيل : (من لم يحركه الربيع وأزهاره، والعود وأوتاره ؛ فهو فاسد المزاج ليس له علاج). ويحدد الغزالي المواضع التي يباح فيها الغناء كما يحدد أنواعه المباحة فيقول : والترنّم بالكلمات المسجعة الموزونة معتاد في مواضع لأغراض مخصوصة ترتبط بها آثار في القلب ، وهي سبعة مواضع: الأول : غناء الحجيج ؛ فإن فيه التهييج إلى حجج بيت الله ، وهم يدورون بالطبل والشاهين والغناء ، وينظمون أشعاراً في وصف الكعبة ، والمقام والحطيم ، وذلك مباح ، وكل ذلك جائز ، ما لم تدخل المزامير والأوتار. الثاني : ما يعتاده الغزاة لتقوية القلوب ، والتحريض على الغزو ، وذلك مباح . الثالث : الرجزيات التي يستعملها الشجعان وقت اللقاء ، وفيها التمدح بالشجاعة ، فإن كان القتال مباحاً فهو مباح. الرابع : أصوات النياحة ونغماتها وتأثيرها ، والمذموم منه النياحة على ما فات والتسخط لقضاء الله . الخامس : السماع في أوقات السرور تأكيداً للسرور ، وتهييجاً له ، وهو مباح إن كان ذلك السرور مباحاً كالغناء في أيام العيد ، وفي العرس ، وفي وقت قدوم الغائب ، وفي وقت الوليمة والعقيقة ، وما أشبه ذلك. السادس : سماع العشاق تحريكاً للشوق ، وتهييجاً للعشق تسلية للنفس ، وهذا حلال إن كان المشتاق إليه ممن يباح وصاله : كمن يعشق زوجته أو سريته ، وإذا أنزل ما يسمعه على ما لا يحل له فهذا حرام. السابع : سما ع من أحب الله وعشقه واشتاق إلى لقائه. ومن زاوية أخرى يحدد أبو حامد الغزالي الحالات التي يحرم فيها الغناء فيقول : العارض الأول : أن يكون المُسْمِع امرأة لا يحل النظر إليها ، وتخشى الفتنة من سماعها ، وكذلك الأمرد الذي تخشى فتتنه ، أما كلام النساء العادي ، وصوتهن فليس بعورة ، فما زالت النساء على عهد الصحابة يكلمن الرجال ، غير أن الغناء فيه تحريك للشهوة ، فيحرم إذا خيفت الفتنة ، وكذلك إذا خيفت الفتنة على الرجل . العارض الثاني : في الآلة ؛ بأن تكون من شعار أهل الشرب ، والمخنّثين ، وهي المزامير والأوتار وطبل الكوية . العارض الثالث : في نظم الصوت وهو الشعر ، فإن كان فيه كذب على الله ورسوله، وصحابته ، أو فيه شيء من الخنا والفسوق ، والهجو حرم . العارض الرابع : في المستمع وهو أن تكون الشهوة غالبة عليه ، فالسماع حرام عليه ؛ فإنه إذا سمع حرك ذلك من شهوته. العارض الخامس : أن يكون الشخص من عوام الخلق ، لم يغلب عليه حب الله ، فيكون السماع له محبوباً ، ولا غلبت عليه شهوة فيكون في حقه محظوراً ؛ ولكنه أبيح في حقه كسائر المباحات ؛ إلا أنه إذا اتخذه ديدنه، وقصر عليه أكثر أوقاته ؛ فهذا هو السفيه الذي ترد شهادته ؛ فإن المواظبة على اللهو جناية ، وبعض المباحات بالمداومة تصير صغيرة، فما كل حسن يحسن كثيره ، ولا كل مباح يباح كثيره. وهذا هو خلاصة رأي أبي حامد الغزالي أورده في كتابه المشهور (إحياء علوم الدين)، وأورد فيه نصوصاً كثيرة من السنة ، ومن آراء الفقهاء ... لكننا تركناها لورودها معنا في مواضع أخرى استشهد بها المانعون أو المبيحون أو الناهجون نهجاً موضوعياًَ وسطاً . لكن أبا حامد الغزالي ـ كما ألمعنا سلفاً ـ بسط القضية من جميع جوانبها ، فكان رأيه نموذجاً للاعتدال والحياد ، ولهذا اخترناه ممثلاً للمدرسة الموضوعية المعتدلة ـ الواقفة عند حدود النصّ ، وفقهه الفقه الموضوعي ، لا أن تسقط على النصوص الكريمة من خلفياتها المتشدّدة ، ولا من خلفياتها المتفلتة المفرطة .. فالحق أحق أن يتبع دون إفراط أو تفريط . تحرير محل النزاع بين المبيحين والمانعين : إن الباحث في أمر الموسيقى والغناء يجد تناقضاً بين الطرفين اللذين يتصوران أمر الغناء ويحكمان عليه ... وبما أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره .. فلابد من تحديد موضع النزاع ، والاتفاق على صورة الغناء .. تدرجاً في عملية الوصول إلى الحكم عليه. فالذين يذهبون إلى إباحة الغناء يتكلمون ـ غالباً ـ عن صورة ليست في مخيلة الذين يحرمون الغناء .. فصورته التي يحكمون عليها .. هي صورة امرأة تغني لزوجها أو لنفسها أو لأولادها... أو صورة رجل يغني لنفسه أو لأولاده ولأسرته أو لرفقائه في الرحلة ، أو لمجتمع من الرجال في حالات فراغ ، وفي ظل شروط كريمة ، وقد تغنى المرأة للنساء ، أو تغني ـ دون تحنث ـ في الأفراح للنساء والأطفال , وللمحارم .. وهلمّ جرا من هذه الصور التي تفتح على الحياة نوافذ من الراحة ، وتغير من كآبة الحياة ، وترقى الوجدان ، وتخفف من حدة الصراع العقلي. أما الذين ذهبوا إلى التحريم فصورته عندهم مختلفة تماماً .. فالغناء عندهم امرأة (أجنبية) تتمايل ، وكئوس تتداول ، واختلاط ومباذل ، ورقص وتصفيق ، وسقوط في الكلمات عميق ، وهو عندهم ـ أيضاً ـ سهر حتى الصباح ، ونوم طول النهار على مزمار الشيطان .. بينما هو عند الأول ، سويعة من الزمن لا تمنع عن الفرائض أو السنن .. ولا تطغى على بقية الواجبات , ولا تفسد صياغة الإسلام للحياة .. فهكذا يتبين لنا أن (الموضوع) الذي يتصوره الطرفان للغناء مختلف ، وللأسف فإن كلاً منهما يحكم ـ (بالجملة) ـ على الغناء من وجهة النظر التي يتخيلها له ... مع أن الأمر يحتاج إلى تفصيل... وهذه نقطة أساسية من نقاط تحرير محلِّ النزاع بين الطرفين . والنقطة الثانية هي أن (الزمان) موضع خلاف بين الطرفين أيضاً ، ويجب الاتفاق عليه .. فحتى لو كان الغناء حلالاً كله (بالشروط الإسلامية بالطبع) فإنه يمكن أن ينقلب إلى التحريم إذا هو استغرق وقت المسلم أو جل وقته، أو إذا طغى على واجباته الأساسية ما كان منها دنيوياً أو أخروياً . فإذا كانت بعض الإذاعات الإسلامية والعربية تعطي الغناء ـ من وقت إرسالها ـ نصف الوقت المخصص للإرسال ، فهذا إسراف لا يرضي به الله ، ولا يقره أحد. وهذا يدفعها إلى إذاعة الخبيث والطيب ... فيرفض الناس الغناء بالجملة ، ولا سيما وأنَّ تأثير الخبيث أمكن من تأثير الطيب ، فالسقوط أسهل من الصعود. وبالتالي ، فلابد من الاتفاق على أنَّ إباحة الغناء هي إباحة مقيدة بزمان محدود لا يطغى على البرنامج الإسلامي للحياة. وأما النقطة الثالثة التي لا بد من الاتفاق عليها ، فهي أن هناك شروطاً يقول بها المبيحون ، وهي شروط تنفي عن الغناء كثيراً من صوره الماجنة التي نراها اليوم ، والتي لا يتحقق فيها إلا المباذل والمناكر ؛ بل هي ليست من الفن الصحيح في شيء . فلو توافرت الشروط والضمانات ، فلا امرأة أجنبية في أوساط الرجال ، وليس هناك تخنّث ، ولا يوجد في الكلمات دعوة إلى الفسق أو الكفر ، وليس ثمة تضييع للفرائض ، ولا خمور أو ما ينتسب إليها .. إلى غير ذلك من الشروط .. لو توافرت هذه الشروط فإن الرأيين سيقتربان ، وسيمكن التعرف على مواطن الإباحة والتحريم في الموسيقى والغناء .. لأن الأمر لا يمكن أن يؤخذ بالجملة. يتبع | |
|