َعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها،أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة:اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر،وأعوذ بك من فتنة المسيح الدَّجال،وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات.اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم.فقال له قائل:ما أكثر ما تستعيذ من المغرَم،فقال:إن الرجل إذا غرم حدَّث فكذب،ووعد فأخلف.
شرح ألفاظ الحديث:
أعوذ بك:أستجير بك وألتجئ إليك.
فتنة المسيح الدجال:الفتنة:هي الامتحان والاختبار.والمسيح:يطلق على الدجال وعلى عيسى عليه السلام ولكن إذا أريد به الدجال قيد باسمه،وسمي المسيح لمسحه الأرض،وقيل:لأنه ممسوح العين.وأما عيسى عليه السلام فقيل له المسيح،لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن،وقيل لأن زكريا مسحه،وقيل لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ.والدجال الخداع المضلل أو الكذاب.فقال له قائل:جاء في رواية النسائي عن الزهري أن السائل هو عائشة رضي الله عنها ولفظها:فقلت يا رسول الله...
المأثم:الأمر الذي يأثم به الانسان أو هو الاثم نفسه وضعا للمصدر موضع الاسم.
المغرم:كالغُرم،وهو الدين،ويريد به ما استُدين فيما يكرهه الله،أو فيما يجوز ثم عجز عن أدائه.
فقه الحديث وما يرشد إليه:
١-وقت هذا الدعاء وحكمه:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهذه الدعوات في آخر الصلاة بعد التشهد وقبل السلام،وجاء هذا مصرحا به في حديث أبي هريرة عند مسلم:إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع.ويدل التعقيب بالفاء أن الاستعاذة تكون قبل الدعاء المخير فيه بما شاء.وأما حكم الدعاء فمستحب مطلقا،سواء كان مأثوراً أو غير مأثور،إلا أن الدعاء بالمأثور أفضل،وأما الأمر الوارد في حديث أبي هريرة،فقد استدل به الظاهرية على وجوب الاستعاذة،وقد حمله الجمهور على الندب،وحديث الباب يؤيد ما ذهبوا إليه.
٢-الاستعاذة من عذاب القبر:اتفق أهل السنة والجماعة على أن الانسان يُسأل بعد موته ويُجازى في قبره بالخير خيراً وبالشر شراً،وأن النعيم أو العذاب يقع على الروح والجسم معاً،قال تعالى:وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يُعرضون عليها غُدواً وعشيّاً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب.وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إن أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي،إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة،وإن كان من أهل النار فمن أهل النار،فيقال:هذا مقعدك أي مكانك حتى يبعثك الله يوم القيامة.
٣-الاستعاذة من المسيح الدجال:وظهور المسيح الدجال في آخر الزمان من علامات الساعة،وهو داعية كذاب،يخرج من الشرق،وصفه النبي صلى الله عليه وسلم،بأنه جسيم أحمر،جعد الرأس،أعور العين،كأنَّ عينه عنبة طافية.وإنما استعاذ عليه الصلاة والسلام من فتنة المسيح الدجال مع تحققه عدم إدراكه،لينشر خبره بين أمته،فيحذروه جيلاً بعد جيل،ويجوز أن يكون هذا تعليماً لأمته أو تعوذاً منه للأمة أيضا.ومما يؤكد ذلك ما رواه الأربعة عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب،ألا إنه أعور،وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه ك ف ر أي كافر يقرؤه كل مسلم.
٤-فتنة المحيا والممات:المراد من فتنة المحيا ما يعرض للانسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات،وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت وقيل هي الابتلاء مع عدم الصبر.
وفتنة الممات:قيل المراد بها الفتنة عند الموت،أضيفت للموت لقربها منه،ويجوز أن يراد بها فتنة القبر،وقيل أراد بها السؤال مع الحيرة،وفي صحيح البخاري إنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة الدجال.ولا يكون هذا تكريرا لعذاب القبر،لأن عذاب القبر متفرع على ذلك ومترتب عليه.
٥-الاستعاذة من المأثم والمغرم:والدين الذي استعاذ منه عليه الصلاة والسلام هو ما يكون فيما لا يجوز،أو فيما يجوز ولكن لا وجه عنده لقضائه،لأنه أي المدين متعرض لهلاك مال أخيه،وأما الدين إذا احتاج إليه،وهو قادر على أدائه،فلا يُستعاذ منه،وقد ورد أن الله مع الدائن حتى يقضي دينه.وإنما جمع بين المأثم والمغرم،لأن الأول حق الله،والثاني حق العباد،فهو يستعيذ من الحقوق كلها.
٦-وقد تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور وهو معصوم منها على سبيل التعليم للأمته لتقتدي به،وليبين للناس صفة الدعاء،أوأنه سلك به طريق التواضع وإظهار العبودية والتزام خوف الله تعالى والافتقار إليه.وإنما كرر النبي ذلك الدعاء في الصلاة مع أنه مجاب الدعاء،لأنه لا يمتنع تكرار الطلب مع تحقق الاجابةحيث أن ذلك يحصل الحسنات ويرفع الدرجات.
٧-الدَّين ذل في النهار وهم في الليل،وقد يدفع الانسان إلى الاتصاف ببعض صفات المنافقين وهي الكذب والاخلاف بالوعد.
٨-الترهيب من فعل المعاصي وكل ما يوقع في الاثم.
٩-يستحب الدعاء في آخر الصلاة بعد التشهد وقبل السلام.
١٠-شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته،وحرصه على تعليم أفرادها ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.
١١-ظهور الدجال في آخر الزمان من علامات الساعة،ويستحب للمسلم أن يستعيذ بالله من فتنته.
١٢-ويرشد الحديث إلى أن عذاب القبر ثابت لا شك فيه عند أهل السنة والجماعة