إن الصفة الأولى من صفات المسلمة الربانية هي تعلّم القرآن الكريم؛ استجابة لقول العزيز الرحيم:)كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ([آل عمران/79]. وقد عرفنا أن تعلم القرآن الكريم إنما يكون بالتلاوة، وبالحفظ، وبالمدارسة (التدبر).
وتذاكرنا أن التلاوة يجب أن تكون ترتيلاً، )وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا([المزمل/4] وبصوت جميل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "زينوا القرآن بأصواتكم".
ونواصل الآن بيان بعض المعالم في طريق الربانية القرآنية؛ لتستضيء بها المسلمات:
ما هذا القرآن؟ ما حقيقته؟ وما وظيفته؟ وماذا علينا تجاهه؟ وما آثاره؟ وأسئلة أخرى كثيرة تتوارد على البال في أوقات عديدة... فتعالين معي لنتعرف على القرآن كتاب ربنا إلينا:
يجب أن تتعرف المسلمة على القرآن الكريم، وإننا مهما وظفنا البيان العربي، فلن نصف القرآن مثلما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم فكلامه عنه "كلام العارف به، والمحب له، المطلع على علومه، المدرك لمزاياه وسماته ودوره ومهمته؛ لأنه نزل على قلبه الشريف، فهو أدرى البشر بكلام الله، وأكثرهم خبرة به... ومن أجل هذا، كان لحديثه عن القرآن لون خاص، ودلالة مميزة، وإيحاء فريد"(1).
هذه طائفة من صفات القرآن ومزاياه، كما تحدث صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم:
1. قال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن، مثل الأترجة (البرتقالة)، ريحها طيب وطعمها طيب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن، مثل التمرة، لا ريح لها، وطعمها حلو. ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن، مثل الريحانة، ريحها طيب، وطعمها مر. ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن، كمثل الحنظلة، لا ريح لها، وطعمها مر" (متفق عليه).
2. وقال صلى الله عليه وسلم: الذي يقرأ القرآن، وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن، ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران" (متفق عليه).
3. وقال صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" (رواه مسلم).
4. وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين" (رواه مسلم).
5. وقال صلى الله عليه وسلم:"خيركم من تعلم القرآن، وعلمه" (متفق عليه).
6. وقال صلى الله عليه وسلم يصف أهل القرآن في الجنة: "يقال لصاحب القرآن اقرأ، وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها"(رواه أبوداود والترمذي).
7. وقال صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (ألم) حرف، وإنما ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف"(رواه الترمذي).
8. وقال صلى الله عليه وسلم: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله عز وجل، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده"(رواه مسلم وأبوداود).
من أقوال الصحابة والتابعين:
1. وقال عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما:"جمع الله في هذا الكتاب علم الأولين والآخرين، وعلم ما كان وعلم ما يكون، والعلم بالخالق جل جلاله وأمره وخلقه".
2. وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون".
3. قال عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: "من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه، إلا أنه لا يوحى إليه، ومن قرأ القرآن، فرأى أحداً من خلق الله أُعطي أفضل مما أُعطي، فقد حقّر ما عظّم الله، وعظّم ما حقّر الله".
4. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: "البيت الذي يُتلى فيه كتاب الله كثر خيره، وحضرته الملائكة، وخرجت منه الشياطين، والبيت الذي لا يُتلى فيه كتاب الله ضاق بأهله، وقل خيره، وحضرته الشياطين، وخرجت منه الملائكة".
5. وقال مالك بن دينار -رحمه الله-: "إن القرآن ربيع المؤمن، كما أن الغيث ربيع الأرض".
6. وقال قتادة -رحمه الله-: "لم يجالس أحد القرآن إلا وقام بزيادة أو نقصان. قال تعالى: )وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا([لإسراء/82].
7. وقال مجاهد -رحمه الله- في قوله سبحانه وتعالى: )يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ([لبقرة/121]" يعملون به حق العمل".
ولا تظن المسلمة أن الأقوال التي أوردتها قد أحاطت بالأسئلة المطروحة، ولكن المجال فسيح لأقوال كثيرة ترسم معالم الطريق بالقرآن...
الصحبة في القرآن
حينما تنوي المسلمة أن تستأنف تلاوتها فإني أدعوها لتصطحب على مائدة القرآن أختها أو أخاها أو ابنتها أو ابنها أو أحد أحفادها، أو تصاحب أباها أو أمها أو جارتها، وحبذا لو اجتمع الزوجان على تلاوة إذا توافق الوقت، فإن تلك الصحبة تعاون على البر والتقوى، وطاردة لشياطين الكسل والشرود، ومجلبة لإتقان التلاوة، ومفتحة لمجالات التدبر