|
قال صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعهما طيب ..الخ). |
تتوقف حياة الأبدان على الأرض على النبات , وتتوقف صحة الأبدان والقلوب على الإيمان , لذلك ربط الله سبحانه وتعالى بين المؤمنين والنبات في القرآن الكريم بطريقة علمية واضحة ومعجزة، وكذلك ربطت السنة النبوية المطهرة بين النبات والمؤمن في أحاديث نبوية كثيرة .
ففي القرآن الكريم شبه الله سبحانه وتعالى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن معه بالزرع فقال تعالى: " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً{29} " (الفتح/29).
في الآية السابقة شبه الله سبحانه وتعالى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من المؤمنين بالزرع والشطء، والشطء كما قال المفسرون هو خلفة النبات وفراخه وفسائله أو فروع النبات أو أوراقه .
فما وجه المقارنة بين النبات ورسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام وصحابته الأطهار والمؤمنين في كل زمان ومكان؟
يشبه المؤمن النبات في العديد من الصفات منها:
النبات هو سر الحياة على الأرض وإذا غاب النبات غابت الحياه على الأرض حتى ولو وجد الماء، فالنبات هو الذي يكون كل المكونات الغذائية الأساسية على الأرض وهو المثبت الرئيس للطاقة الضوئية الفيزيائية الشمسية على الأرض بما وهبه الله سبحانه وتعالى من خصائص حية، وتفاعلات حيوية، ومركبات نباتية (البلاستيدات الخضراء) القادرة على تصنيع المواد الغذائية العضوية، والفيتامينات والمركبات الحيوية النباتية التي تعتمد عليها حياة البشرية، وإذا غاب النبات غابت الحياة من على الأرض.
وكذلك الإيمان هو سر الحياة الإنسانية الحقيقية على الأرض، فعندما يغيب الإيمان ويغيب المؤمنون الربانيون من الأرض تتفشى الحيوانية، والهمجية، وسلوك الغابة، وتغيب المودة والرحمة الإيمانية ويبقى فقط سلوك الحيوان مع الآخرين.
يستمد النبات الطاقة الضوئية وثاني أكسيد الكربون من البيئة العليا، ويستمد الماء والعناصر الغذائية المعدنية والنيتروجينية من الأرض، فالنبات يربط المحيط العلوي بالمحيط الأرضي وتكون النتيجة تلك المنتجات النباتية وتلك التفاعلات الحيوية والمنتجات الحيوية وفي مقدمتها الأكسجين الذي يستخلصه النبات بشطر الماء وتحريره من الهيدروجين.
والمؤمن يستمد التعليمات والأخلاقيات الإلهية وأسس المعاملات الشرعية من السماء، ويربطها بالأرض وما عليها من إنسان وحيوان، ونبات وكائنات حية دقيقة ومكونات غير حية، بحيث يعمر الكون بنواميس الله في الخلق وفق منهاج الله وشرعه، ويصلح في الأرض بالأعمال الصالحة ولا يفسد فيها ويعمل على إصلاحها والمحافظة على مواردها وتنميتها وفق منهاج الله.
النبات يخلص البيئة الأرضية من الكميات الزائدة لثاني أكسيد الكربون ويحولها إلى مواد غذائية ونباتية صالحة ومفيدة، والنبات ينقي البيئة من الملوثات ويحافظ على اتزانها الهوائي والمائي والأرضي، وكذلك الإيمان ينقي النفوس من الحقد والحسد والضغائن ويعدل سلوك الإنسان ويقومه لينقي البيئة من المفسدات والمهلكات السلوكية ويبدل السيئات إلى الحسنات بفضل الله وأمره ويذلل العقبات النفسية والاجتماعية والاقتصادية ويخلص النية لله في الأقوال والأعمال والسلوك.
والمؤمن كما شبه صلى الله عليه وسلم كمثل النبتة من الزرع إذا أتتها الريح كفأتها , فإذا اعتدلت تكفأ بالبلاء، فهما بين أخذ وعطاء في الدنيا بالرخاء والشدة أما الفاجر فهو كالأرزة أي الشجرة الكبيرة الصماء المعتدلة تتمتع بالحياة حتى إذا جاءها قدرها قصمها وأهلكها بغتة، فالفاجر عجلت له حسناته في الدنيا أما المؤمن فهو متقلب في البلاء والنعيم يرجع إلى الله في الشدائد ويحمده في الرخاء فهو دائم الترقب قليل الغفلة متجدد الإيمان.
والمؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به مثله مثل الأترجة تلك الثمرة الطيبة الطعم والطيبة الرائحة المفيدة للآكلين والمحيطين بها، فنفعها خفي وظاهري والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويسلك سلوك المؤمنين فمثله كمثل التمرة لا رائحة لها وطعمها حلو، لا تسمع له قراءة وترى له سلوكا إيمانيا حميدا مفيدا، والمنافق مثله مثل الريحانة ريحها طيب وطعهما مر، تراه يتكلم عن الإسلام ، ويتشدق بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وهو دجال خبيث منافق حقيقة قلبه خبيثة مؤلمة مقززة، أما المنافق الذي لا يقرا القرآن فهو كالحنظلة ليس لها ريح وطعهما مر.
وهكذا كان النبات بخصائصه الداخلية وشكله الظاهري ورائحته كمثل المؤمن المخلص والمفيد والمنافق الدجال الخبيث , ففي صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعهما طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعهما حلو, ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعهما مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة لا ريح لها وطعهما مر).
وفي الحديث الصحيح عن ابن عمرو رضي الله عنهما: (مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء لا يسقط ورقها ولا يتحات)، فقال القوم هي شجرة كذا، هي شجرة كذا، فأردت أن أقول هي النخلة وأنا غلام فاستحييت فقال: (هي النخلة).
والمؤمن كالنخلة في ثبات الشكل الظاهري مع تجدده في المناسبات والمواسم والأعياد وعند الصلوات، هو ثابت الأصل مع سمو الفرع ونفعه دائم كنفع النخلة الدائم مع دنو القطوف وسمو الأخلاق، ويؤكل ثمرها كل حين ونفع المؤمن دائم، والنخلة تشبه المؤمن في محكومية الحركة والسلوك بشرع الله، وسر حياة النخلة في هامتها وسر المؤمن في عقله، وثمرها حلو الطعم عديم الرائحة دائم النفع كالمؤمن، والمؤمن كالنخلة إذا جلست في ظلها أظلتك , وإذا احتطبت من حطبها نفعتك، وإذا أكلت ثمرها وجدته طيبا كما قال لقمان لابنه وهذا ما فصلناه في موضوعنا (مثل المؤمن كشجرة لا يتحات ورقها) في كتابنا (معجزات حيوية علمية وميسرة) - دار السلام للطباعة والنشر – القاهرة 2008.
وهكذا أخوة الإسلام ربط القرآن الكريم وربطت السنة النبوية المطهرة بين النبات والمؤمن في مواطن كثير ذكرنا بعضها فيما سبق لنبين عظمة هذا الدين وعظمة الإيمان وأهمية الإيمان للحياة الحقيقية والسعادة الربانية الإيمانية لبني الإنسان.