إن للمؤمن سمات بارزة؛ من أهمها: الإيمان بالغيب، وهو في الحقيقة: الوحدة الشعورية الإيجابية الفعالة الآخذة الأثيرة.
والإيمان بالغيب يوحي إلى النفوس القيام بالواجبات الدينية الحيوية، وهذه هي ميزة العقيدة الإسلامية الغيبية التي تمتاز بها النفوس المؤمنة.
والإيمان بالغيب كما قال سيد قطب: " هو العقبة التي تُجتاز فيجتاز الإنسان بها مرتبة الحيوان الذي لا يدرك إلا ما تدرك حواسه، إلى مرتبة الإنسان الذي يدرك أن الوجود أكبر وأشمل من ذلك الحيز الصغير المحدد الذي تدركه الحواس " .
وقد رأيناها في حياة الصحابة رضي الله عنهم الذين هم كالنجوم في الاقتداء والاهتداء في ظلمات الطرق والسبل.
إن الإيمان بالغيب أثّر في حياتهم تأثيراً كبيراً وأحدث في قلوبهم حركة عظيمة مثالية نموذجية الاتباع، وانقلبت به حياتهم الفردية والأسرية والجماعية من جهة مظلمة إلى جهة منيرة واضحة أُضيئت بها نواحي الحياة كلها في تسامح القلوب ورحابة الصدور قد تخلقوا بخلق الغفّار.
وفي شدتهم في الدين وغضبهم للحق قد تخلقوا بخلق القهّار، وهم في نزاهتهم وعفتهم وطهارة ضمائرهم تخلقوا بخلق القدّوس، فليس في قلوبهم أمراض التلاحي والغيبة والنميمة ، والبهتان والكذب والخداع والغدر والمكر.
فما هو العمل الذي يرجع إليه الفضل في تكوين عبقرياتهم وشخصياتهم النادرة التاريخية الحية؟.
لا شك أن ذلك العمل هو عمق إيمانهم بالغيب والتمسك به، ورسوخ عقيدتهم بما فوق المحسوسات، وإن قوة الإيمان بالغيب في هذا الكوكب الأرضي المحدود المجال صانهم عن الظلم والاضطهاد والفوضى والإرهاب والقسوة.
والذين اقتدوا بهديهم من المسلمين على مدار الأيام والليالي لا يفكرون في الإقدام على عمل تخريبي ضد الإنسان والإنسانية أبداً؛ فهم ينظرون في كل عمل يريدون الإقدام عليه هل هذا العمل ينفعهم أو يضرهم في دينهم ودنياهم؟.
هل هذه الخطوة ضد المنهج السماوي أم لا؟.
هذه المقدمات تصونهم عن الشرور والظلم الهمجي، كما أنهم يعتقدون بأن الله تعالى وإن لم يروه فإنه يراهم ويراقبهم من فوق عرشه، فإليه يصعد الكلم الطيب، مع علمه سبحانه بكل ما يصدر عن الإنسان من عمل.
إن الإيمان بالغيب هو مصدر التورّع والتقوى، وهو عامل مهم من عوامل التربية الشخصية؛ إذ يجعل الناس ربانيي التصور.. ربانيي الشعور.. ربانيي السلوك.