تأثير الأهل في الحوار بين الزوجين
يجيب الدكتور والخبير المغربي في علم التواصل الأسري والتربوي الناجي الأمجد حول سؤال: كيف يمكن لأسرة الزوجة أو أسرة الزوج أن تساهم في إنجاح الحوار بين الزوجين أو العكس إقباره وإفشاله؟ قائلاً: " قبل الزواج أو في بداية الزواج لأبد للزوج أو الزوجة أن يتعرف على الطرف الآخر وأن يعرفا كل العادات وكل المقومات التواصلية عندهم ، وأن يقربا إليهما من يرون الاطمئنان إليه ورجحان عقله وغلبة الإيجابية عنده.
فقد يوجد في كل أسرة من يبرز من خلال هذه المقومات، ومن يكون له التأثير من حيث القول أو الإقناع أو التواصل، باختصار من يكون له هذا القبول. وبطريقة أو بأخرى لابد من اشعار هذا الطرف الذي يمتلك هذه الآليات أنه هو المطلوب أساساً عند أى خصام وأن يتقدم لفك الخيوط التي تبعثرت بين الزوجين دون غيره، فكلما تدخلت أطراف كثيرة في تطوير الحوار كلما كانت المسألة سلبية.
فعلى الزوجين أن يقربا منهما سواء في هذه الأسرة أو تلك هؤلاء الأشخاص دون سواهم للتدخل عندما تقتضي الضرورة ذلك، وبالتالي إشعارهم بأنهم يشكلون الطرف المكمل للأسرة الضغيرة، لتوازني، الطرف الإقناعي، الطرف الذي يضفي تلك اللمسة الانسانية على الأسرة. فتقريب هذه العناصر من كلتا الأسرتين أمر مرغوب وضروري، بل بالعكس إن كانت هذه الأسر لاتمتلك هذه المقومات فيستحسن بل يشترط عدم تقريبها من هذه الدائرة المقدسة : دائرة الزوجية.
الحماة والحوار الزوجي
ويرى د. الأمجد أن الحماة مصطلح حملناه أكثر مما ينبغي، فالفهم السلبي لمصطلح الحماة أثر بشكل سلبي على دورها في الحياة الزوجية وعلى تفاعلنا السلبي مع الدور المطلوب. فكلما قرب الزوج زوجته من أمها وترك المجال للفراغ وللغو ولغياب الدور الإيجابي ملأت الأم أو الحماة هذا الفراغ، سواء برسائلها السلبية أو برسائلها الايجابية إن كان وسطها وثقافتها وبيئتها تؤهلها لذلك.
ثم إن التقصير في الاحترام من طرف الزوج للحماة يؤجج تلك العدوانية أو السلبية تجاه الزوج عن طريق تحريض الزوجة بشكل غير مباشر أو تمييع الدور المنتظر منها أو تغليط النظرة للزوج.
وينصح الأمجد الزوج قائلاً: " تقرب من حماتك أيها الزوج، وتذكرها بالهدية الرائعة التي تخص بها حتى زوجتك أحياناً، واعتبرها أما ثانية لك، وابق في مكنك الذي تنظر من خلاله إلى الحماة من بعيد دون اقتراب أو دخول في التفاصيل التي تخصك ودون اكثار من الزيارات، ودون ترك المجال لزوجتك للمكوث أكثر جوار أمها . وحاول أن تبتعد عن المجالس التي تذكر فيها الحماة بالطريقة السلبية حتى لاتتأثر بشكل أو بآخر بهذه الآراء والأحكام المسبقة . وأنا أعرف من الحماة نوعاً يحرص على سعادة البنت مع زوجها ويقدر حرص الزوج على البنت ويقدر ذلك الاحترام وتلك المراقبة من بعيد .
الطريق المسدود
ويشدد د. الناجي على أن الحوار بين الزوجين يصل إلى هذا المستوى ( الطريق المسدود ) في غياب الأدبيات الحوارية المتفق عليها مسبقاً من احترام للرأي والرأي المضاد، وعدم مواصلة الحوار والتدرج في طرح القضايا بالبدء بالسهل والبسيط إلى المعقد والخطير. ويفشل الحوار كذلك إذا كان صاحبه فعلاً لم يتعود على الإنصات والإصغاء والمبادلة،ويفشل بالأنانية أو الذاتية المطلقة او الموروثات السلبية من احتقار للآخر بالنظر إلى مستواه الثقافي مثلاً، او استصغار الأخطاء الذاتية وبالتالي لابد من أرضية صالحة للحوار نجمها دائماً في البوابات التواصلية، وهي:
1- الحب المتبادل
2- المحبة الصادقة
3- الابتسامة
4- الإصغاء التفاعلي
5- إحسان الظن
6- الهدية
شروط الإصلاح
ويؤكد د. لطفي الحضري أستاذ علم النفس. وأخصائي تربوي، أن هناك في علم النفس ما يسمى بالنظرية النقسية،ويعتمد عليها في تحليل الظواهر الاجتماعية، إذ إن الأسرة النواة تعتبر نسقاً خاصاً، والعائلة الكبيرة تعتبر نسقاً آخر، وحين نجمع بينهما نخلق نسقاً ثالثاً، فإذا كانت الرغبة لدى النسق الأول في أن يتعاايش مع النسق الثاني فإن ذلك يتطلب الصبر من جميع الأطراف، وحينما يفتقد عنصر الصبر يقع ما يسمى بالانفجار التواصلي، لذلك ننصح الأطراف الراعبة في التعايش أن تتحاور حول قواعد تحدد طبيعة العلاقة بين الأنساق المذكورة، ومنها على الخصوص: السلطة ، الحياء ، التربية.... ويجب الأخذ بعين الإعتبار أن الحسم في قواعد العلاقة بين أطراف العائلةيحول بين كثير من المشاكل التي تؤدي إلى تصدع قد يصل أحياناً إلى الطلاق دون مبررات معقولة.
ويشترط الحضري أن لا يؤثر الإصلاح سلباً على طبيعة العلاقة بين الزوجين الراغبين في إقامة أسرتهما مندمجين مع أطراف أخرى متكونة من والدي الزوج وإخوانه وزوجاتهم، والجوء إلى الإصلاح من الداخليقتضي طبيعة الحال الدخول في مشادات تواصلية قد تستنزف الطاقة، خصوصاً مع وجود مقاومة التغيير، لأن السعي إلى إصلاح طرف معين قد يفهم في غير سياقه، بحيث يظن هذا الطرف بأنه أحقر من الراغب في الإصلاح، لهذا ينبغي تفادي الظهور بصفة الأفضلية لمن يرغب في إصلاح الآخرين. ومن جهة ثانية يغفل كثيرون عامل الزمن، إذ من الخطأ الاستعجال في قطف ثمار الإصلاح. ويمكن القول أن الإهتمام بالعناصر الثلاثة المذكورة: (مقومة التغيير، الأفضلية، الزمن) يمكن أن يسهم في الإصلاح من الداخل بالنسبة لزوجين يرغبان في الإقامة وسط عائلة ممتدة.
التقريب بين وجهات النظر
وتقول أ. وسام كمال محررة في نطاق الأخلاق والتزكية في شبكة إسلام أون لاين. وباحثة في الإعلام لإلكتروني بكلية الإعلام بجامعة القاهرة:
إن الزواج هو العقد الموثق بين الزوجين، مؤكدة على أبدية علاقة روحين جمعتهما المودة والرحمة، الذي يلزمهما بواجبات محددة، ويكفل لهما حقوق متبادلة..
ولأن الشيطان يتدخل ليفسد على الزوجين تمتعهما الحلال ببعضهما، وتتدخل بعض الضغوط النفسية والإجتماعية والاقتصادية والسياسية في تعكير صفو هذا الهدوء والانسجام الزوجي .. هنا تأتي أهمية بعض " الملينات " الاجتماعية لإعادة المياة لمجراها.
ويبرز دور أهل الزوجين في التقريب بين وجهات النظر، والمساهمات في حل المشاكل الزوجية المتعسرة على الحل داخل البيت، فعندما تخرج المشاكل من بين جدار بيتهم لتكن حديث الألسنة بين الأقارب والأصدقاء تتصاعد خطورة المشكلة وتتحول إلى أزمة.
وتصير الأزمة كارثة إذا لم يكن الأهل والأصدقاء على درجة من الوعي والحكمة لإدارة الأزمة بهدوء وعدم تصعيد حدة الحوار بين الزوجين.
وهذا المعني يؤكده القرآن الكريم: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً حبيراً) .[ النساء: 25]..
فلا يمكن أن يتم الصلح بين الزوجين إلا إذا كان لعبوا دوراً حمامة السلام بينهما، وكم من زيجة تسبب الأهل في فشلها بسبب تعنتهما، ولذا أكد القرآن "إن يريدا إصلاحاً".
وكم سمعنا عن أهالي تسببوا في طلاق ونزاع أزواج دون داع، أو مبرر عقلي، وساهمت الدراما في تسليط الضوء على نماذج سلبية لأهل الزوجين، ورأينا في ذلك الحماة تغتصب السعادة في البيوت؛ بما يستدعي تغير الصورة النمطية السلبية عن أهل الزوجين، وإبراز قدر شغفهم على إسعاد أبنائهم ..
حمامة السلام
ولكن كيف يلعب الأهل دور حمامة السلام بين الزوجين ؟
تجيب الأستاذة وسام قائلة: أظن أنا هناك مجموعة من الاعتبارات التي إن وضعها أهل الزوجين في إعتبارهم لن يتسببوا أبداً في إفشال زواج أي فرد من العائلة؛ ألا وهي :
* عدم التدخل في مشكلات الزوجين، والتطفل على حياتهما إلا في الأمور الضرورية الملحة.
* عدم إقحام كل من هب ودب في مشكلة الزوجين، والإكتفاء باستشارة حكماء العائلة، وليس صغار سنهم ممن لم تختبرهم تجارب الحياة بعد.
* عدم التحيز لطرف معين على حساب الآخر، ولكن لينظر أهل كل طرف على أن كل ما يهمهم هو استمرار بيت الزوجية، وعدم ترك فرصة للشيطان لكي يفسد عليهما حياتهما.
* الحكمة والهدوء في معالجة المشاكل، دون صب الغضب على الطرف المخطئ، وليكن شعارهم في بداية الأزمة تهدئة الأنفس، لكي تتقبل الحوار الهادئ، ولا تتصاعد لوساوس الشيطان.
* الحكم بالشرع وفقاً لما يرضي الله ورسوله، وليس وفقاً للأهواء الشخصية لأطراف النزاع.
* تذكير الطرفين بنعمة الزواج، والأيام الجميلة التي قضياها في حب ومودة قبل أن ينزغ الشيطان بينهما.
* حمل كل طرف على التنازل عن مطالبه من أجل الطرف الآخر، وبذل النفيس لإسعاده بكل مشاعر الإيثار والود والتراحم، والاحتساب عند الله عز وجل.