اريج الجنه رتبة العضوه
الاوسمه : عدد المشاركات : 3968 علم دولتي : مزاجي : نشاط العضوه : دعاء : الشكر : 6 نقاط : 1424
| موضوع: رسالة إلى قاطع رحم الأربعاء ديسمبر 24 2008, 18:18 | |
| رسالة إلى قاطع رحم | الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين ، يعطي الجزيل ، ويثيب الكثير على العمل القليل ، أحمده تعالى وأشكره وأتوب إليه وأستغفره من الدقيق والجليل ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعالى وتنزه عن النظير والشبيه والمثيل ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله البشير النذير والسراج المنير والهادي لأقوم سبيل ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا ...
أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله ، اتقوا ربكم يحسن لكم كل عاقبة ، ويغفر لكم ذنوبكم قاطبة ( ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ) .
إخوة الإسلام : أرعوني أسماعكم ، وافتحوا لي قلوبكم ، فحديثنا اليوم اجتماعي إصلاحي ، يوجب صلة الرحمن ، ويرغم كيد الشيطان ، حديث لا تنقصه الصراحة والشفافية ، يحتاج منكم إلى تفاعل فاعل ، وتطبيق عاجل ، حتى نقصم ظهر الهجر والقطيعة ، ونعيد أجواء الصفاء والنقاء والصلة والإخاء .
عباد الله : فينا نحن الحاضرين ، وفي مجتمعنا عامة ـ رجالا ونساء ـ أشخاص أخطئوا الجادة ، وعدلوا عن الصواب ؛ فقطعوا صلتهم بأقاربهم وأرحامهم ، قطعوا صلة الآباء والأمهات والإخوة والأخوات وسائر القرابات ، بل وحولها البعض إلى عداوة ونفور . ومردّ ذلك كله إلى خلاف على حفنة ريالات أو متاع زائل ميراثا كان أو غيره ، أو بسبب أطفال صغار ، أو كلمة طائشة تحمّل أكثر مما تحتمل ، أو بسبب وشاية ظالمة ، أو ظن سيئ لا يوافق محله أو غير ذلك .
فإذا كان فينا من هجر قريبه ، أو خاصم ذا رحمه ، فله أقول : أيها الحبيب اللبيب أنت تدرك فضل الصلة ولا شك ، ولكن هوى النفس وعزتها المزعومة ، والشيطانَ الرجيم يصرفونك عن تلك الفضائل ، والكرامات ليوقعوك في مغبة القطيعة ، و وأوحال الهجر.
فارجع إلى قواعد الصلة والبر ، واهنأ أنت ومن لازم تلك القواعد ، بهذا الطريق الأنيق الذي يوصلك إلى جنة عرضها السموات والأرض فعن أبي أيّوب الأنصاريّ رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: أخبِرني بعملٍ يدخلني الجنّة، قال: ((تعبد الله ولا تشرِك به شيئًا، وتقيمُ الصلاة، وتؤتي الزكاةَ، وتصِلُ الرّحم)) متفق عليه.
وفي حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (((يا أيّها الناس، أفشوا السّلام، وأطعِموا الطّعام، وصِلوا الأرحامَ، وصَلّوا بالليل والنّاس نِيام، تدخلوا الجنّة بسلام)) رواه الترمذيّ وابن ماجه .
صل رحمك فإن ذلك أمارةٌ على الإيمان، ((من كان يؤمِن بالله واليومِ الآخر فليصِل رحِمَه)) متفق عليه . صل رحمك فإن من بر والديك بعد موتهما صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما .
صل رحمك أيها المبارك يصلْك رب العالمين . فالنبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : ((قال الله للرّحم: أما ترضينَ أن أصلَ من وصلك وأن أقطعَ من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك)) متفق عليه، وفي ((والرحمُ معلّقة بالعرش تقول: مَن وصلني [وصله الله]، ومن قطعني [قطعه الله])).
صل رحمك أيها الكريم فإن الصلة عون بإذن الله على نوائب الدهر وضوائقه ، وبسطة في المال والأجل وبركةٌ في العُمر، يقول صلى الله عليه وسلم: ((صِلة الرّحم محبّةٌ في الأهل، مثراة في المالِ، منسَأَة في الأثر)) رواه أحمد، وعند البخاريّ ومسلم: ((من أحبَّ أن يُبسَط له في رزقه ويُنسَأ له في أثَره فليصِل رحمَه)) .
صل رحمك ترى الثواب معجلا في الدنيا ، مع ما ينتظرك منه في الآخرة قال صلى الله عليه وسلم: ((ليس شيء أُطِيع اللهُ فيه أعْجَلَ ثوابًا من صِلةِ الرحم)) رواه البيهقيّ. .
أيها المبارك : إنك تعيش بصلة رحمك أجواء عبادة جليلة عظيمة الأجر يقول عمرو بن دينار: \"ما مِن خطوة بعد الفريضةِ أعظمُ أجرًا من خطوةٍ إلى ذي الرّحم\".
تأمل أيها اللبيب هذه الفضائل العظيمة ، ومد بعدها جسور الصلة ، واقطع حبال الضغينة والهجر والقطيعة . أوصِلْ لأقاربك ما استطعت من الخير واقطع عنهم كل شر . وهذه الجسور لاعنت فيها ولا مشقة لمن خلصت نيته وطاب مقصده ، فمِن بشاشةٍ عند اللّقاء ولينٍ في المُعاملة، إلى طيبٍ في القول وطلاقةٍ في الوجه، إلى زيارة وصِلة، إلى مكالمة ومراسلة ، ومشاركة في الأفراح ومواساة في الأتراح، وإحسان إلى المحتاج، وبذل للمعروف، والنصح لهم ، و مساندةِ مكروبِهم وعيادة مريضهم، والصفحِ عن عثراتهم ، وترك مضارّتهم . فلا يكن أهلُك أشقى الخلقِ بك . وقد قيل : مَن لم يصلح لأهلِه لم يصلح لك، ومَن لم يذبّ عنهم لم يذبَّ عنك. ولا تغفل جانب الهدية فإن مقامها في الشرع وفي نفوس الناس رفيع .
أيها المبارك : إن فتح الله عليك باب رزق فليكن أول المستفيدين منه أقاربك أرحامك ، فإن البذل لهم مقدم على البذل للفقراء والمساكين . قال تعالى :( وَءاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ ) وثواب البذل لهم مضاعف يقول صلى الله عليه وسلم ((الصدقةُ على المسكين صدقة، وعلى القريب صدقةٌ وصِلة)) رواه الترمذي . وقال عليّ رضي الله عنه: (لأن أصِل أخًا مِن إخواني بدِرهم أحبّ إليّ من أن أتصدّق بعشرين درهمًا).
كن أيها المبارك في سخاء النفس وكرم الشيم كما كان الشعبي الذي يقول : \"ما ماتَ ذو قرابةٍ لي وعليه دينٌ إلاّ وقضيتُ عنه دينه\".
ولا تكن من المتهربين عن أقاربه خوف الاقتراض منه أو طلب المساعدة إن كنت مستطيعا ، فإن الشح باب شيطاني من أبواب القطيعة كما في الحديث المتفق عليه :
((إيّاكم والشّحَّ؛ فإنّ الشحّ أهلك من كان قبلكم؛ أمرهم بالبُخل فبخلوا، وأمرهم بالظّلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعةِ فقطعوا)) .
أيها المبارك : خص أقاربك بدعوتك وتوجيهك ونصحك ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ، وإذا تسنمت منصبا أو جاها فلا تمنع خيرك عن أقاربك وذوي رحمك فهم أولى الناس بالشفاعة وتحقيق المطلوب من غير مضرة بالغير ، وهذه منقبة لك ، وراية سامقة في يمينك .
وكن في صلتك مبادرا لا مكافئا ، فإن هذه هي حقيقة الصلة المرغمة للشيطان قال صلى الله عليه وسلم : ((ليسَ الواصل بالمكافئ، ولكنّ الواصلَ مَن إذا قطعَت رحمُه وصَلها)) رواه البخاري.
اغفر الزلات ، وغض الطرف عن الهفوات ؛فإنَّ العفوَ من شِيَم المحسنين، وما زادَ الله عبدًا بعفو إلاّ عِزًّا ، ولا تستجب لمطالب الشيطان . أقبل على رحمك بطلب العفو والصفح ، وامسح آثار القطيعة حتى وإن كنت المخطئ عليه ، حتى وإن كنت الأكبر سنا ؛ فإنك بالمبادرة إلى الصلة تكون أكبرَ مقاما عند ربك جل في علاه . وكن ذا قلب واسع رحيم إن بادرك أحد بالاعتذار فاقبل عذره حتى وإن سوَّل لك الشيطان كبر الذنب و فداحة الخطأ .
واخفض جناحك للأقارب كلهم بتذلل واسمح لهم إن أذنبوا
أسأل الله أن يوفقنا لصلة الأرحام والإحسان إلى الأقارب والجيران والخلان . (وَأُوْلُوا ْالأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَـبِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلّ شَيء عَلِيمٌ) . أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ...
إخوة الإسلام :
بل أيها الهاجر لقريبه والقاطع لرحمة إنني أربأ بك عن هذا المقام الذي لا يليق بك . إنه مقام الرابح فيه خاسر ، والمنتصر مهزوم . إنني أربأ بك أن تفعل كبيرة من كبائر الذنوب فقد قال الله تعالى: ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ . أَوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَـرَهُمْ) . إنني أشفق عليك أن تحرم من دخول الجنة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا يدخل الجنّةَ قاطع)) رواه البخاري ، قال ابن حجَر: \"القاطعُ للرّحم منقطِعٌ مِن رحمة الله\".
أيها المبارك : عد إلى البر والصلة ، وانبذ القطيعة ؛ فإنني لك محب ناصح خائف عليك عذاب الله في الدنيا قبلَ الآخرة، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : ((ما مِن ذنبٍ أجدر أن يعجِّل الله لصاحبِه العقوبةَ في الدّنيا مع ما يدَّخره له في الآخرة من البغي ـ أي: الظلم ـ وقطيعة الرحم)) رواه الترمذي.
أيها اللبيب : لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يستوحِشون مِن الجلوس مع قاطِع الرّحم، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: (أحرِّج على كلِّ قاطعِ رحمٍ لَمَا قام من عندنا)، وكان ابن مسعود رضي الله عنه جالسًا في حلقةٍ بعدَ الصبح فقال: (أنشد الله قاطعَ رحمٍ لَمَا قام عنَّا فإنّا نريدُ أن ندعوَ ربَّنا؛ وإنّ أبوابَ السماء مُرتَجَة ـ أي: مغلقة ـ دونَ قاطِع الرّحم). فهل ترضى أن يستوحش الناس بمجالستك ، وهل ترضى أن تكون سببا لرد دعوة الناس وتضرعهم لربهم ؟
فيا من كان بينه وبين رحمه عداوة بادِر بالصّلة ، واعفُ واصفح، ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى:40]. وليكن عفوك وصفحك اليوم قبل الغد . بل لا يأتينك عصر هذا اليوم إلا وقد قطعت حبل الشيطان ، وعدت بصلتك على الوالدين والأهل وذوي القربى عامتهم . و يالها من راحة ستجدها ، وأنس ستناله إن فعلت ذلك ، فإن للطاعة لذةً وحلاوةً فجربْ تجدْ .
أسال الله أن يصرم حبال كلِّ قطيعة ، وأن يوفقنا للصلة الموجبة لصلته ومرضاته إنه سميع مجيب .
هذا وصلوا وسلموا ..
ــــــــــــــــــ
( إمام وخطيب جامع الخضير في محافظة رياض الخبراء ) |
| |
|