[b][color=brown]الشريعة الغراء جعلت حياة المسلم كلها مشمولة بالذكر، قال _تعالى_: "الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ" (آل عمران:191)، وحثت على كثرة الذكر في مواضع كثيرة وأحوال عديدة، من أهمها مواسم الخيرات، ومنها العشر الأول من ذي الحجة.
فما أهمية أيام العشر؟ ولماذا خصت بالذكر وبغيره من الأعمال الصالحة؟
هذه الأيام أيام عبادة عظيمة هي أحد أركان الإسلام الخمسة، تستحضر فيها معاني التوحيد، وهو ما يستدعي كثرة الذكر بالقلب واللسان والقيام بالأعمال الصالحة التي تناسب عظمة هذه الأيام، قال ابن حجر في الفتح: "السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره".
وقد ذكر الله _تعالى_ هذه الأيام في كتابه الكريم، قال _تعالى_ : "وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامَِ" (الحج:27، 28) . قال ابن عباس: "أيام العشر" . وقال _سبحانه_: "وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ" (الفجر:1-4)، قال ابن عباس: "هي ليالي العشر الأول في ذي الحجة". وقوله _تعالى_: "وَالْفَجْرِ" خصه بعضهم بفجر يوم النحر. قال النيسابوري: "إقسام الله _تعالى_ بهذه الأمور ينبئ عن شرفها وأن فيها فوائد دينية ودنيوية".
وفي أيام العشر يومان عظيمان، يوم عرفة ويوم النحر ، فأما يوم عرفة فهو ركن الحج الأعظم ، وقد ورد في فضله عن عائشة _رضي الله عنها_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء". ويتأكد صيام يوم عرفة لغير الحاج، قال _صلى الله عليه وسلم_: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" رواه مسلم. وأما يوم النحر فقد ذهب بعض العلماء إلى أنه أفضل أيام السنة على الإطلاق، حتى من يوم عرفة. قال ابن القيم: "خير الأيام عند الله يوم النحر ، وهو يوم الحج الأكبر"، وقيل يوم عرفة أفضل منه.
الفائدة التي يجنيها المسلم من معرفة فضل هذه الأيام العظيمة:
أولا: تعظيم هذه الأيام: وتعظيم ما عظمه الله _تعالى_ عبادة من العبادات ودليل على التقوى، قال _تعالى_: "ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ" (الحج:32).
ثانياً: الحذر من ارتكاب معصية فيها؛ لأن المعصية فيها أشد من غيرها من الأيام، فقد جعل الله _تعالى_ لبعض الأماكن حرمة، وخصها بأحكام، كالمسجد الحرام، ومن الأزمنة أزمنة خصها بالفضل والتعظيم، وارتكاب مخالفة فيها يكون أشد من المخالفة في غيرها، كهذه الأيام العشر وغيرها.
ثالثاً: الاجتهاد في الأعمال الصالحة: من صدقة وصلاة وصيام، ففي مثل هذه الأوقات تضاعف الحسنات، وقد بين الله _تعالى_ لنا الأيام والأوقات التي يحبها ليتقرب إليه المسلم فيها ليفوز برحمته وثوابه وعفوه. عن ابن عباس _رضي الله عنه_ قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ : "ما العمل الصالح في أيام أفضل من هذه العشر" قالوا: ولا الجهاد ؟ قال: "ولا الجهاد ، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء" رواه البخاري.
رابعاً: استثمار الوقت بالذكر ، وهو ما غفل عنه كثير من الناس، فما ترى إلا القليل من الناس الذي يقيم هذه السنة، ويجتهد فيها ، بل أكثر الناس تمر عليهم هذه الأيام كسائر الأيام، ولا يتنبهون لفضلها وحاجتهم إلى الإكثار من الذكر فيها والذي هو من أخف العبادات جهداً وأكثرها ثواباً، وقد جاء في السنة الحث على كثرة الذكر في هذه الأيام ، فعن ابن عمر _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "ما من أيام أعظم عند الله _سبحانه_ ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" رواه الطبراني في المعجم الكبير، فحري بالمسلم أن يشتد شوقه لمثل هذه الأوقات، حتى إذا جاءت اجتهد فيها ليري الله _تعالى_ فيها ما يكون سبباً لنيل رحمته وفضله.
الأذكار التي يسن الإكثار منها في العشر من ذي الحجة:
الأذكار والأدعية بكل أنواعها مشروعة، يكثر المسلم منها قدر ما يستطيع، ليكون قريبا من ربه _سبحانه وتعالى_ على الدوام، وهذه الأيام العشر وردت فيها أذكار سن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ الإكثار منها، قال _صلى الله عليه وسلم_: "ما من أيام أعظم عند الله _سبحانه_ ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد".
أولا: التهليل:
وهو قول: "لا إله إلا الله"، وهي شهادة الإسلام وعنوان التوحيد، والمناسبة في الإكثار منها في العشر من ذي الحجة ظاهرة، فهي أيام الحج التي يتوجه فيها الناس إلى ربهم متجردين من الدنيا وزينتها موحدين طائعين منيبين راجين رحمته خائفين من عذابه، فكان من أكثر الأذكار مناسبة في هذه الأيام التهليل، وفي فضل التهليل وردت نصوص كثيرة ، منها قوله _صلى الله عليه وسلم_: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مئة مرة، كتبت له مئة حسنة، ومحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما أتى به إلا رجل قال مثل ما قال أو زاد" رواه البخاري ومسلم، وفي الحديث : "خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"