الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين !. أما بعد :
فاحمد الله عز وجل- أخي المسلم- أن مد في عمرك لترى تتابع الأيام والشهور، وبادر إن استطعت إلى حج بيت الله العظيم فرضا أو تطوعا يقول الله عز وجل : { آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } [آل عمران: 97].
وقال تعالى: { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ } [البقرة: 196].
وقال جل وعلا: { وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } [الحج:27].
أخي المسلم: الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان " متفق عليه.
ويجب على المسلم المستطيع المبادرة إلى الحج حتى لا يأثم قال صلى الله عليه وسلم : " تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له " رواه أحمد.
وعن عبدالرحمن بن سابط يرفعه: " من مات ولم يحج حجة الإسلام، لم يمنعه مرض حابس، أو سلطان جائر، أو حاجة ظاهرة ، فليمت على أي حال ، يهوديا أو نصرانيا".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " لقد هممت أن أبعث رجالا إلي هذه الأمصار، فينظروا كل من كان له جد ؟ ولم يحج ، فيضربوا عليهم الجزية ، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين " رواه البيهقي.
فيجب عليك- أخي المسلم- المبادرة والإسراع إلى أداء هذه الفريضة العظيمة فإن الأمور ميسرة ولله الحمد، فلا يقعدنك الشيطان، ولا يأخذنك التسويف ، ولا تلهينك الأماني.. واسأل نفسك: إلى متى وأنت تؤخر الحج إلى العام القادم ؟ ومن يعلم أين أنت العام القادم أفوق التراب أم تحته ؟! وتأمل في حال الأجداد كيف كانوا يحجون على أقدامهم وهم يسيرون شهورا وليالي ليصلوا إلى البيت العتيق ؟! وبعض الناس يتلبسه الشيطان بأعذار واهية.. فتراه يؤجل عاما بعد آخر معتذرا بشدة الحر وكثرة الزحام؟! فمتى عرف عن أيام الحج عكس ذلك ؟!
أخي المسلم: إن فضل الحج عظيم وأجره جزيل، فهو يجمع بين عبادة بدنية ومالية:
فالأولى: بالمشقة والتعب والنصب والحل والترحال.
والثانية: بالنفقة التي ينفقها الحاج في ذلك.
قال صلى الله عليه وسلم : "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ". متفق عليه.
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: " إيمان بالله ورسوله "
قيل: ثم ماذا ؟ قال: "جهاد في سبيل الله " قيل: ثم ماذا ؟ قال: "حج مبرور " رواه البخاري .
وحث الرسول صلى الله عليه وسلم على التزود من الطاعات، والمتابعة بين الحج والعمرة فقال: " تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة " رواه أحمد والترمذي .
وقال صلى الله عليه وسلم : "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " رواه مسلم.
وأبشر يا من نويت الحج بيوم عظيم تقال فيه العثرة وتغفر فيه الزلة فقد قال صلى الله عليه وسلم : " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة ". رواه مسلم .
فلتهنأ نفسك، ولتقر عينك، واستعد للقاء الله عز وجل واستثمر أوقاتك فيما يعود عليك نفعها في الآخرة فإنها ستفرحك يوم لا ينفع مال ولا بنون... يوم تتطاير الصحف، وترتجف القلوب، وتتقلب الأفئدة، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى.. ولكن عذاب الله شديد.
والبعض- مع الأسف- يسافر هذه الأيام وينفق الأموال ويتكبد المشاق إما للنزهة أو للسياحة ويحرم نفسه من الحج وأجره وثوابه.
أخي المسلم: اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها، وللآخرة بقدر بقائك فيها، ولا تسوف فالموت أمامك والمرض يطرقك والأشغال تتابعك ، ولكن هربا من كل ذلك استعن بالله وتوكل عليه، وكن من الملبين المكبرين هذا العام.
أما من لم يتيسر له الحج فهو كما قال أحد السلف: " من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بحقه الذي عَرَفَه، ومن عجز عن المبيت بمزدلفة، فليُبيِّت عزمه على طاعة الله وقد قرَّبه وأزلفه ، ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المُنى ، من لم يصلْ إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فإنه أقرب إلى من دعاه من حبل الوريد".
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، اللهم وفق الحجاج والمعتمرين ، واجعل لنا نصيبا مباركا من الأعمال الصالحة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.