كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من ركعة في صلاة التراويح ؟
الجواب الحمد لله. أما بعد :
فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ما يدل على التوسعة في صلاة الليل وعدم تحديد ركعات معينة ، وأن السنة أن يصلي المؤمن وهكذا المؤمنة مثنى مثنى ، يسلم من كل اثنتين ، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) . فقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( صلاة الليل مثنى مثنى) خبر معناه الأمر ، يعني : " صلوا في الليل مثنى مثنى " ومعنى مثنى مثنى يسلم من كل اثنتين ، ثم يختم بواحدة وهي الوتر ، وهكذا كان يفعل عليه الصلاة والسلام ، فإنه كان يصلي من الليل مثنى مثنى ثم يوتر بواحدة عليه الصلاة والسلام كما روت ذلك عائشة - رضي الله عنها - وابن عباس وجماعة ، قالت عائشة - رضي الله عنها - : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل عشر ركعات ، يسلم من كل اثنتين ، ثم يوتر بواحدة) ، وقالت - رضي الله عنها - : (ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي ثلاثا) متفق عليه .
وقد ظن بعض الناس أن هذه الأربع تؤدى بسلام واحد ، وليس الأمر كذلك ، وإنما مرادها أنه يسلم من كل اثنتين كما ورد في روايتها السابقة ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : (صلاة الليل مثنى مثنى) ولما ثبت أيضا في الصحيح من حديث ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام كان يسلم من كل اثنتين. وفي قولها - رضي الله عنها - : ( ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) ما يدل على أن الأفضل في صلاة الليل في رمضان وفي غيره إحدى عشرة ، يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة ، وثبت عنها - رضي الله عنها - ، وعن غيرها أيضا أنه ربما صلى ثلاث عشرة ركعة عليه الصلاة والسلام.فهذا أفضل ما ورد ، وأصح ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام الإيتار بثلاث عشرة أو إحدى عشرة ركعة , والأفضل إحدى عشرة ، فإن أوتر بثلاث عشرة فهو أيضا سنة وحسن ، وهذا العدد أرفق بالناس وأعون للإمام على الخشوع في ركوعه وسجوده وفي قراءته ، وفي ترتيل القراءة وتدبرها ، وعدم العجلة في كل شيء ، وإن أوتر بثلاث وعشرين كما فعل ذلك عمر والصحابة - رضي الله عنهم - في بعض الليالي من رمضان فلا بأس ؛ فالأمر واسع ، وثبت عن عمر والصحابة - رضي الله عنهم - أنهم أوتروا بإحدى عشرة كما في حديث عائشة . فقد ثبت عن عمر هذا وهذا ، ثبت عنه - رضي الله عنه - أنه أمر من عين من الصحابة أن يصلي إحدى عشرة ، وثبت عنهم أنهم صلوا بأمره ثلاثا وعشرين. وهذا يدل على التوسعة في ذلك ، وأن الأمر عند الصحابة واسع كما دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام : ( صلاة الليل مثنى مثنى) . ولكن الأفضل من حيث فعله - صلى الله عليه وسلم - إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ، وسبق ما يدل على أن إحدى عشرة أفضل لقول عائشة - رضي الله عنها - : (ما كان يزيد - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة) يعني غالبا. ولهذا ثبت عنها - رضي الله عنها - أنه صلى ثلاث عشرة وثبت عن غيرها فدل ذلك على أن مرادها الأغلب ، وهي تطلع على ما كان يفعله عندها ، وتسأل فإنها كانت أفقه النساء وأعلم النساء بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وكانت تخبر عما يفعله عندها وما تشاهده وتسأل غيرها من أمهات المؤمنين ومن الصحابة ، وتحرص على العلم ، ولهذا حفظت علما عظيما وأحاديث كثيرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبب حفظها العظيم وسؤالها غيرها من الصحابة عما حفظوه رضي الله عن الجميع. وإذا نوع فصلى في بعض الليالي إحدي عشرة ، وفي بعضها ثلاث عشرة فلا حرج فيه فكله سنة ، ... والله ولي التوفيق