كثيرا ما تتسبب حركة الطفل الزائدة التي اصطلح الناس على تسميتها باسم «الشقاوة»، غضب الآباء والأمهات على حد سواء لينتهي الأمر عقب إتيان الطفل بتلك الشقاوة بعقابه سواء بالضرب أو بحرمانه من شيء يحبه أو يهتم به، من دون أن تدرك الأسرة بسلوكها هذا أنها تمنع عن طفلها ممارسة جزء هام من طفولته وتحرمه من اكتشاف العالم من حوله واكتساب خبرات جديدة تميزه عن باقي أقرانه.
ولنقرأ حكاية (هالة) التي كانت تواجه قيام ابنها ذي الثلاث سنوات بتفكيك ألعابه الجديدة والقديمة إلى أجزاء كثيرة بالثورة في وجهه، وعقابه بحرمانه من اللعب أو الخروج ظنا منها انه طفل مخرب من دون أن تدرك أن طفلها نموذج لعالم أو مكتشف، وهذا ما أكده لها الطبيب النفسي الذي لجأت إليه بعد فشلها في منع طفلها من الإتيان بذلك السلوك، حيث أخبرها انه عرف من ابنها (عمر) انه يفعل ذلك ليكتشف كيف تسير وتعمل تلك اللعب، وأنه يحاول أن يفهم ما بداخلها، وسن (عمر) الآن 7 سنوات ويؤكد مدرسوه في المدرسة انه طفل متفوق في الرياضيات ولا يستغرق وقتا في فهم المسائل الرياضية مثل أقرانه.
ويؤكد الدكتور هاشم بحري أستاذ واستشاري الطب النفسي بجامعة الأزهر، أن الطفل الشقي طفل يختلف عن باقي الأطفال الآخرين، فنتيجة للطاقة الكامنة بداخله تزداد حركته كما يزداد فضوله في اكتشاف العالم من حوله، ولهذا فقد أثبت العلم أن هناك ارتباطا بين ارتفاع معدل الذكاء وشقاوة الأطفال، فالطفل الشقي طفل متنوع التجاوب بشكل يمكنه من امتلاك القدرة على حل المشكلات التي تعترضه بناء على تلك الخبرات، ويزداد معدل ذكائه كلما زادت قدرته على تذكر وحفظ المعلومات.
ويتابع الدكتور هاشم أن مشكلة الأسرة العربية على وجه العموم أنها تعشق الطفل الهادئ الذي لا يتحرك من مكانه، بل إنهم يربطون بين هدوء الأطفال ومستوى تربيتهم وأخلاقهم، وهذا لا يحدث في المنزل فقط، ولكننا نجده في مدارسنا أيضا، فالمدرس يتعامل مع الطفل الشقي على أنه مشكلة، وبهذا تهدر طاقات هؤلاء الأطفال فلا يمنحون الفرصة للإبداع والتعبير عما يدور في وجدانهم.
ويضيف الدكتور هاشم قائلا: لا يشترط في الطفل الشقي أن يكون ماهرا في العلوم والرياضة فقط، ولكنه يمتلك طاقة قادرة على الإبداع تتحدد حسب ميوله واتجاهاته، طفلا بارعا في التأليف الأدبي أو أحد الأنشطة الرياضية، المهم هو الأسلوب الذي يتم به توجيهه بدون تذمر، مع مراعاة جزئية هامة وهي أن الطفل الشقي يكون بحاجة أحيانا إلى بعض الحسم، حتى لا تخلط الأمهات بين الشقاوة وعدم تربية أبنائها، فليس معنى أن نعطيه الحرية في التعبير عن طاقاته الكامنة أن نترك له الحبل على الغارب لان الطفل الشقي غالبا ما يكون طفلا مندفعا.
وينصح الدكتور هاشم بحري الأسر العربية بألا يشعرون بالضجر من شقاوة الأبناء وأن يعملون على توفير الظروف والمناخ الطبيعي لهؤلاء الأطفال لتفريغ الطاقة بداخلهم بشكل صحي من خلال تعليمهم أعمالا يدوية وإشراكهم في أنشطة الكشافة، والألعاب الرياضية ومساعدتهم على فهم واستقبال المواد العلمية بسهولة حتى يرضى ذلك فضوله ورغبته في اكتشاف العالم من حوله.
وقد ذكرت دراسة علمية جديدة أن الأطفال الذين يولدون صغارا في الحجم حتى بعد اكتمال نموهم في نهاية مدة الحمل, قد يظهرون صفات مختلفة من الانفعال وحدة الطباع أكثر من الأطفال ذوي الأوزان الطبيعية. وأظهرت الدراسة أيضا أن الطريقة التي تستجيب فيها الأم لسلوك طفلها, الذي يكون مزعجا في بعض الأحيان قد تؤثر على نمو الطفل, مشيرة إلى أن طريقة تفاعل الوالدين مع الطبع الحاد أو انفعال الطفل قد تسهم في تطوره على المدى الطويل