عندما سطع شعاع النور في أجواء دروب الظلمة ..أغمضت جموع المرتعدين أعينها ، وفرت الفلول تلوذ بمقبرة (كبيرهم) الذي رفع راية محاربة الإسلام منذ ما يقرب من قرن من الزمان.. حارب الإسلام في كل صوره بدءًا من غطاء رأس المرأة ، وحتى أحرف لغة القرآن..
فروا يلوذون به خوفاً من شبح الإسلام القادم.. يستغيثون به استغاثة ميتٍ بميت .. ارتجافة زائلٍ بزائل .. استصراخ هين بمن هو أهون وأضعف ، وربما لو نطق ساكن القبر لقال:"ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي.. لقد وجدت ما وعدني ربي حقاً.."
لقد عادت أشعة النور بعد عقود من الظلمة الحالكة.. بقرار أقره البرلمان التركي بتعديل قانون حظر الحجاب ، هذا القانون الذي كان قد نص عليه الدستور بحظر دخول الحجاب الجامعات والمصالح الحكومية ، مما أدى إلى حرمان المحجبات من حقهن في التعليم ، ومن التوظيف في دوائر حكومية لعقود من الزمن ، إلا أن هذا التعديل أثار حفيظة العلمانيين والقوى الظلامية في تركيا ودفع البعض للتظاهر أمام مقبرة أتاتورك- مؤسس الجمهورية العلمانية اللادينية ، ورفع شعارات معادية للإسلام والحجاب ، بل إن بعضاً من أساتذة الجامعات التركية صرحوا بأنهم لن يحاضروا إذا كانت هناك محجبات في المحاضرات؟! في حين وقع 650 أكاديميًّا ، على بيانٍ يؤكد حرية ارتداء الملابس بالتعليم العالي والجامعات... ولا زالت الحرب مستمرة بين قوى الحق وأنصار الباطل..
لعلها تجلس إلى جوارك الآن ترصد الأحداث وتتابع المواقف ، قد تكون مدركةً واعيةً بمجريات ما يحدث ، وقد تكون متشاغلةً في أمور أخرى.
أسرعي إليها -إلى ابنتك- حاوريها.. ناقشيها.. أيقظيها من سُباتها لتدرك أن هذا الغطاء الصغير الذي يغطي رأسها حاربت وتحارب من أجله الكثيرات في دولٍ عديدة ، وتتخذه بعضهن غاية حياة ورسالة وجود .. وأن عليها أن تشارك هؤلاء وأولئك في معركتهن الفاصلة بالانتصار لدينها وحجابها حين تتمسك به شكلاً ومضموناً ، وتكون خير مثال لفتيات جيلها من المحجبات ..
ابنتك والحجاب..
تعلو صرخات كثير من الأمهات حين تخطو بناتهن إلى عتبات البلوغ ، وتفاجأ الأم برفض الفتاة لارتداء الحجاب أو على الأقل يتبدى من الفتاة الكثير من التململ والاستنكار عند بدء الالتزام به .. فتكون النتيجة التزام شكلي بالحجاب مفرغ المضمون ، أجوف المحتوى ، تحاول صاحبته إبداء ما خفي وإظهار ما تستر كلما لاح لها ذلك ..
وتتساءل الأمهات : كيف السبيل لحل هذه الأزمة..؟؟
وحتى نحاول الإجابة على هذا التساؤل ، ونصل ببناتنا إلى حجاب متكامل الأركان بسهولة ويسر دون معاناة ، لابد أن ندرك أن الحجاب جزء من منظومة متكاملة هي منظومة القيم الإسلامية .. فإذا لم تكتمل أو تتوافر أركان تلك المنظومة داخل المنزل ، هوى ركن الحجاب وسقط فيما يسقط من أركان تلك المنظومة..
الحجاب ليس مجرد غطاء للرأس أو الوجه وما سواهما ، الحجاب سلوك والتزام ، عمل وعبادة ، غاية ورسالة ، شكل ومضمون ، مظهر وجوهر..
ولابد أن تبدأ خطوات الاستعداد له والالتزام به منذ نعومة أظفار تلك الفتاة ، لتتشرب شيئاً فشيئاً قيم الدين وفضائل الإسلام فتسمو روحها وتتطلع نفسها إلى تتويج هذا السلوك القويم بهيئة الحجاب ، ولعلنا نقترح في هذا الصدد عدة مقترحات للأمهات :
- أن يكون حب الله وطاعته غاية أساسية وغذاء رئيسي في تربية الابنة ، ولنتذكر أن المحب لمن يحب مطيع ، والطائع المحب غير الطائع الوجل ، وهذا سيسهل الالتزام والإذعان لكل ما يوجبه الشرع فيما بعد ، ويمكنك تحقيق هذا من خلال ربط كل فعل بطاعة الله ورضائه حتى أبسط الأشياء ، على سبيل المثال تناول الطعام والشراب ؛ للحفاظ على بنيان قوي يمكننا من السعي بالخير في الأرض ؛ ولأن المؤمن القوي أحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف..
كما أن ربط أسباب النعمة بالمنعم من أهم وسائل إدراك الصغار لعظيم فضل الله عز وجل على عباده ، ومن ثم الارتباط به وتدعيم أواصر المحبة له والقرب منه..
- احرصي أن تكوني أيتها الأم قدوة لابنتك في التزامك وحرصك على حجابك الكامل ، وعدم التساهل أو التنازل عنه في أي موقف من المواقف ، واطلبي منها أن تناولك الحجاب كلما طرق الباب طارق أو هممت بالخروج إلى النافذة أو الشرفة لتدرك أهمية الحجاب وتوقيت ارتدائه ..
- احرصي أن تلفتي انتباه ابنتك منذ الطفولة المبكرة لأهمية الحجاب ، والتفريق بينه وبين التبرج ، فالحجاب يرتقي بصاحبته لمرتبة عليا ويحميها من الفتن والتعدي عليها من الغير ولو بالنظرة ، بينما التبرج يتدنى بصاحبته لمرتبة سفلى ويعرضها للفتن والابتذال ، ومن المهم أن تكون لك نظرتك الناقدة لكل ما ترصده عين ابنتك من أنماط وأشكال للسفور تنتشر في المجتمع وعلى صفحات المجلات وشاشات الفضائيات ؛ لتشعر بالفارق الكبير وتفهم جوهر الأمر ، بدلاً من الانبهار بمظاهر السفور والتبرج اللافتة ..
- احرصي دائماً على أن تربطي بين الفضيلة والتزام الحجاب على اعتباره ركناً أساسياًَ من أركانها وليس جزءاً هامشياً ، وعليك الثناء على كل فتاة ملتزمة محجبة يصدر منها سلوك حسن ، وعليك التنويه بنقص هذا الركن من أي إنسانة سافرة متبرجة حتى ولو صدر منها ما يدعو للإعجاب ..
- حاولي أن تكون بطلات قصصك لابنتك منذ الصغر فتيات ملتزمات محجبات .. كما أن استخدام الرسم أو القصص المصورة سيكون مفيداً ومؤثراً في هذا الشأن..
- أطلعي ابنتك على مجريات الأحداث ودعيها تفهم أن الحجاب قضية وليس مجرد رداءٍ يلتزم به .. بل إن الالتزام به يعتبر رداً بالغاً على الحملات الشرسة على الإسلام في كل صوره ، وأن عليها أن تناصر أخواتها المسلمات في الخارج بالالتزام بالحجاب شكلاً ومضموناً ..
- كلما اقتربت ابنتك من سن البلوغ اعملي على تشويقها للحجاب ولهيئتها الرائعة التي ستكون عليها .. وحاولي الربط بينه وبين النضج واكتمال الأنوثة ..
- إذا بلغت الفتاة السن المطلوبة اصحبيها للسوق لابتياع الشكل واللون الذي تفضله لحجابها ، واجعلي الأمر يبدو في صورة احتفالية بنضج ابنتك وبلوغها.. وحاولي أن تجعلي جميع أفراد الأسرة يشعرونها بذلك ويباركون لها خطوة الحجاب ويثنون على هيئتها الجديدة والتزامها الرائع ..
- وإذا ما بدا على ابنتك بعض الضيق والتذمر ، حاولي أن تستنهضي فيها الشعور بقضية الحجاب التي أصبحت محوراً للصراعات بين المسلمين والقوى المعادية في كثير من البلدان..
- دققي في اختيار صديقات ابنتك ، واحرصي أن تتوافر فيهن شروط الالتزام شكلاً وموضوعاً ، ليكن عوناً لك في هذا الأمر لا عوناً عليك..
- احيطي ابنتك بمناخ إيماني في المنزل وخارجه ، واحرصي أن ترافقك إلى المسجد وإلى دروس العلم ، وتكون إلى جوارك في صلاة الجماعة ، ويمكنك الاستعانة بالدروس والمحاضرات التي تتحدث عن أهمية الحجاب وفضائله..
وأخيراً لاحقي ابنتك في خطاها بدعواتك وابتهالاتك ليقر الله عينك بها فتاة مسلمة ناضجة تخدم دينها وتعي حقيقة دورها في المجتمع