استعينوا على إنجاح أموركم بالكتمان
ينبغي لمن تظاهرت نعم الله -عزَّ وجل- عليه أن يُظْهِر منها ما يبيِّن أثرها، ولا يكشف جملتها، وهذا من أعظم لذات الدنيا التي يأمر الحزم بتركها؛ فإن العين حق.
وإني تفقَّدت النعم، فرأيت إظهارها حلوًا عند النفس، إلا أنها إِنْ أُظْهِرَت لوديد[1]؛ لم يُؤْمَن تَشَعُّثُ باطنه بالغيظ، وإن أُظْهِرَت لعدوٍّ؛ فالظاهر إصابته بالعين لموضع الحسد!إلا أنني رأيت شر الحسود كاللازم، فإنه في حال البلاء يَتَشَفَّى، وفي حال النِّعم يصيب بالعين.
ولعمري إن المُنْعَم عليه يشتهي غيظ حسوده، ولكنه لا يُؤْمَن أن يخاطر بنعمته، فإن الغالب إصابة الحاسد لها بالعين؛ فلا يساوي الالتذاذ بإظهار ما غِيظَ به ما أفسدتْ عينه بإصابتها.
وكتمان الأمور في كل حال فعل الحازم، فإنه إن كشف مقدار سنِّه؛ استهرموه إن كان كبيرًا وإحتقروه إن كان صغيرًا، وإن كشف ما يعتقد؛ ناصبه الأضداد بالعداوة، وإن كشف قَدْرَ ماله؛ استحقروه إن كان قليلًا، وحسدوه إن كان كثيرًا. وفي هذه الثلاثة يقول الشاعر:
احفظ لسانك لا تبح بثلاثة سنٍّ ومالٍ ما استطعت ومَذْهَب
فعلى الثلاثة تُبْتَلى بثلاثة بِمُمِـوِّهٍ ومُمَخْــرِقٍ ومُكَـذِّب وقِسْ على ما ذكرت ما لم أذكره، ولا تكن من المذاييع الغِرَّ[2]، الذين لا يحملون أسرارهم حتى يفشوها إلى من لا يصلح.
ورُبَّ كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان.
المرجع: صيد الخاطر
للإمام: ابن الجوزي -رحمه الله-
[1] يعني: لمن يودك ويحبك.
[2] الغِرّ: الذين لا تجربة لهم.