صلة الرحم

بسم الله الرحمن الرحيم


من أسباب قطيعة الرحم ..

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فقد شرع الله سبحانه وتعالى صلة الرحم و أوجبها على المسلم كما جاءت بذلك الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وتوعد قاطع الرحم كما في قوله تعالى :
( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم , أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) الآيتين 23,22 من سورة محمد , وجاء الوعيد الشديد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل قاطع رحم حيث أخبر صلى الله عليه وسلم برواية أبي هريرة:" إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة . قال : نعم . أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك، قالت : بلى , قال: فذلك لك. متفق عليه
وجاء في الحديث " لا يدخل الجنة قاطع رحم" رواه مسلم.
ومع أن أسباب قطيعة الرحم قد تكون معلومة لدى البعض إلا أن التذكير بها قد يساعد على الحد منها ومعالجتها بما يناسب كل سبب لتتحقق الصلة ويسود الإخاء ويزول الجفاء ومن هذه الأسباب ما يلي :

1- ضعف الإيمان الذي يترتب عليه عدم الاهتمام بما في صلة الرحم من أجر وما في قطيعتها من إثم وعقاب حيث أن صلة الرحم تطيل العمر وتوسع الرزق وتعظم الأجر ولذا فإن صلة الرحم تزيد في الإيمان كما أن القطيعة تنقصه باعتبار أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
2- الجهل بالأدلة الشرعية التي أوجبت الصلة وحذرت من القطيعة كما أن من الجهل عدم إدراك الفوائد الاجتماعية المترتبة على أداء واجب الصلة ومن الواجب على المسلم أن يتأمل الأدلة الشرعية ويعمل بموجبها.
3- الكبر وهو الداء العظيم الذي ترجع إليه أكثر الذنوب والمعاصي وهو جدير بأنه يهلك قاطع الرحم إذا حل في قلبه ورأى أنه في مستوى أعلى من أفراد أسرته وابتعد عنها نتيجة لذلك وقد جاء في الحديث " لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر"رواه البخاري.
4- الهوى الذي يقبع في النفس ويسيطر على تصرفاتها و يجني على الإنسان بإبعاده عن أسرته لمجرد تحقيق ما تهواه نفسه فعلى الإنسان أن يراجع نفسه لئلا يقع في الهوى وهو لا يشعر, قال تعالى: ( ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) الآية 26 سورة ص.
5- الحسد فإنه يحرق قلب صاحبه إذا رأى من هو أفضل منه في أسرته ويحاول الابتعاد عن أسرته لئلا يغيظه ما يراه ممن أعطاهم الله صفات تفوقه وقد جاء في الحديث " الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب" رواه أبو داود وابن ماجه.
6- الغيبة والنميمة حيث أن لهما أكبر الأثر في تقاطع الأسر وزرع الشحناء والبغضاء بين أفرادها , قال تعالى : ( ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ً فكرهتموه ) الآية 26 سورة الحجرات , وفي الحديث : " لا يدخل الجنة نمام " متفق عليه.
7- ارتكاب بعض المحرمات والمحظورات الشرعية المؤثرة على السلوك كشرب الخمر والمخدرات وغيرها فإن من يتعاطى ذلك يبتعد عن أسرته لئلا يعاب وينتقد بذلك.
8- الكذب وإخلاف الوعد والتهرب من المواجهة بالحقيقة فكثيرا ما يبتعد الكذاب عن أسرته خوفا من المسائلة , قال تعالى : ( ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ) الآية 10 سورة البقرة , وفي الحديث: " إن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب كذابا "رواه مسلم.
9- المماطلة في الوفاء في القرض والدين ونحوهما فيضطر المماطل إلى البعد عن صاحب الحق ويزيد التقاطع في الأسر وعلاجه الصدق في المعاملة وحسن الآداء.
10- فشل الشراكة التجارية إذا كانت بين الأقارب وما يترتب على ذلك من خلافات تنتهي بالتقاطع.
11- عدم الالتزام بما تقضى به الكفالة فإن عدم التزام المكفول بمضمون الكفالة إذا كان الكفيل من الأقارب يوجد ثغرة تتسع لتصل إلى القطيعة ولذا يجب الاهتمام بشأن الكفالة وتقدير من يقوم بها ردا ً للجميل وكسبا ً لثقة الجميع.
12- فشل الزواج إذا كان بين الأقارب وانتهى بالطلاق فقد يترتب عليه تقاطع مستمر ولمن حصل له شيء من ذلك معالجته بنسيان ما مضى وفتح صفحة جديدة وجزاء السيئة بالحسنة احتسابا ً للأجر من الله.
13- الزواج من خارج المملكة فقد يبتعد الإنسان عن أسرته نتيجة عدم معرفة الزوجة بعادات البلد والزيارات وغيرها ولمن تم له ذلك أن يحرص على الاندماج في أسرته وحضور مناسباتهم.
14- رفض الخاطب فقد يجد في نفسه على أسرته إذا كانت المخطوبة قريبة ويقوي الشيطان هذا العامل إلى أن يبتعد الشخص عن أسرته وقد يكون في الأمر خير فلا يكره الإنسان قريبه لأجل ذلك وإنما يحتسب في صلته.
15- حجب الزكاة والصدقة عن فقراء الأسرة من قبل الأغنياء حيث يجد الفقراء في أنفسهم على الأغنياء ويبتعدون عنهم مع أن الزكاة حق واجب في مال الأغنياء للفقراء فإذا كانوا أقرباء فالواجب أعظم والأجر أكبر والصدقة على الفقير القريب صدقة وصلة.
16- عدم حضور مناسبات الأسرة وأفراحهم فإنه مع كثرة مشاغل الناس لم يعد هناك وسيلة للتواصل أنسب من حضور المناسبات وإذا أدام الفرد التخلف عنها حصلت القطيعة وساد الجفاء بل قد لا يعرف القريب قريبه مع طول الزمن فعلى الإنسان أن يحتسب ويحظر مناسبات أسرته ويعتني بذلك.
17- تأخر قسمة المواريث وتأجيلها فإن من يتسبب في ذلك يقاطع من قبل من يشتركون معه في الإرث والمبادرة في قسمة المواريث عامل مهم في زوال هذا السبب.
18- النصيحة علانية فإن المنصوح قد يجد في نفسه على الناصح ويحاول الابتعاد عنه وعن اللقاء به في أي تجمع فعلى الناصح والموجه أن يحرص على الوقت المناسب وأن تكون على انفراد.
19- بعد الأماكن بين الأقارب وعدم تفعيل وسائل الاتصال لاسيما في أوقات المناسبات ويخف هذا مع الإفادة من وسائل الاتصال الحديثة وحضور المناسبات التي تقام بين الحين والآخر.
20- بعض الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان ويفضل أن يعيش في عزلة عن أسرته وأقاربه ومثل هذا الحق له في الزيارة والصلة لوجود السبب المانع له وهو المرض النفسي.
21- الفقر فإن الفقير قد يلجأ إلى البعد عن أسرته لعدم مقدرته على مسايرتهم والتعايش معهم والعطف عليه وزيارته والصدقة عوامل مساعدة لارتباطه بأسرته وقربه منها.
22- التسويف وترحيل وقت الزيارة أو الاتصال من يوم لآخر وهكذا حتى تطول المدة دون أن تتحقق الزيارة ولعل المبادرة وانتهاز الفرصة المتاحة تساعد في التغلب على التسويف.

هذا وهناك الكثير من الأسباب التي يحصل بموجبها التقاطع لكن معالجتها في الجملة بتقوى الله عز وجل واستحضار الأدلة الشرعية التي أوجبت الصلة وحذرت من القطيعة مع الصبر والاحتساب للأجر من الله امتثالا لقوله عز وجل: ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم , وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) الآيتين 34, 35 سورة فصلت , فأن في ذلك معالجة لأكثر الأسباب أنفة الذكر..

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل..