كان الرق في ذلك الزمان البعيد يفرض نفسه كظرف اجتماعي يحاول ان يكون ضرورة..
كان كذلك في أثينا حتى في أزهى عصور حريتها ورقيها وكان كذلك في روما.
وعندما اختطفت القبيلة المغيرة على بني معن نصرها وعادت حاملة أسراها ذهبت إلى سوق عكاظ التي كانت منعقدة آنئذٍ وباعوا الأسرى.
ووقع الطفل زيد في يد "حكيم بن حزام" الذي وهبه بعد أن اشتراه لعمته خديجة.
وكانت خديجة رضي الله عنها, وقد صارت زوجة لمحمد بن عبد الله الذي لم يكن الوحي قد جاءه بعد بيد انه كان يحمل كل الصفات العظيمة التي أهلته بها الأقدار ليكون غدا من المرسلين .
ووهبت خديحة بدورها خادمها زيداً لزوجها رسول الله فتقبله مسروراً واعتقه من فوره وراح يمنحه من نفسه العظيمة ومن قلبه الكبير كل عطف ورعاية.
وفي احد مواسم الحج التقى نفر من حي حارثة بزيد في مكة ونقلوا إليه لوعة والديه وحملهم زيد سلامه وحنانه وشوقه لامه وأبيه وقال للحجاج من قومه "اخبروا أبي أني هنا مع أكرم والد".
ولم يكد والد زيد يعلم مستقر ولده حتى اغذّ السير إليه ومعه أخوه
وفي مكة مضيا يسألان عن الأمين محمد ولما لقياه قالا له :"يا بن عبد المطلب يا بن سيد قومه, انتم أهل حرم تفكون العاني وتطعمون الأسير جئناك في ولدنا فامنن علينا وأحسن في فدائه".
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم تعلق زيد به وكان في نفس الوقت يقدر حق أبيه فيه هنالك قال لحارثة :" ادعو زيداً وخيروه فان اختاركم فهو لكم بغير فداء وان اختارني فوالله ما أنا بالذي اختار على من اختارني فداء " ..!
وتهلل وجه "حارثة" الذي لم يكن يتوقع كل هذا السماح وقال :" لقد انصفتنا وزدتنا على النصف".
ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى زيد ولما جاء سأله :"هل تعرف هؤلاء".؟؟
قال زيد نعم هذا أبي .. وهذا عمي...
وأعاد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ما قاله لحارثة وهنا قال زيد :"ما أنا بالذي اختار عليك أحدا أنت الأب والعم"..!!
ونديت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدموع شاكرة وحانية ثم امسك بيد زيد وخرج به إلى فناء الكعبة حيث قريش مجتمعة هناك وناجى الرسول :"اشهدوا أن زيدا ابني يرثني وارثه"..!!
وكاد قلب حارثه يطير من الفرح فابنه لم يعد حرا فحسب بل وابنا للرجل الذي تسميه قريش الصادق الأمين سليل بني هاشم وموضع حفاوة مكة كلها ..
وعاد الأب والعم إلى قومهما مطمئنين على ولدهما الذي تركاه سيدا في مكة آمنا ومعافى بعد أن كان أبوه لا يدري اغاله السهل أم غاله الجبل..!!